لا تزال المرحلة الانتقالية في سوريا غامضة وسط تصاعد الضغوط الدولية لتطبيق القرار الأممي 2254 كأساس لحل سياسي شامل.

هذا القرار يهدف إلى إطلاق عملية سياسية تشمل كافة الأطراف السورية، لكنه يواجه تحديات كبيرة على أرض الواقع.

فما هي ملامح هذه المرحلة الانتقالية؟ وما مدى قدرتها على تحقيق رؤية شاملة ومستدامة لمستقبل سوريا؟

القرارات الدولية وتشابك المشهد السوري

أوضح الباحث بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، سمير التقي، أن المشهد السوري يعكس حالة من الترقب والقلق، حيث تسود أسئلة بشأن مسؤولية الأطراف الداخلية والخارجية في تحقيق تسوية سياسية.

وأشار خلال حديثه لغرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية، إلى أن "الخارجية الألمانية والفرنسية تؤكدان على ضرورة الالتزام بروح القرار 2254 الذي يدعو إلى حوار شامل وإعادة تأسيس شروط العيش المشترك".

لكنه أعرب عن قلقه إزاء غياب رؤية واضحة من الأحزاب السياسية والنقابات، ما يزيد من تعقيد المشهد.

وأضاف التقي أن هيئة تحرير الشام تواجه تحديًا كبيرًا في التعامل مع الطبقة المدنية، التي تتميز بتوجهاتها الليبرالية ورفضها للتعصب الديني.

وأكد أن "إعادة تعريف المواطنة السورية على أساس ديني لن يكون ناجحا، مما يتطلب تعزيز فكرة المواطنة المتساوية ودعم السلم الأهلي لجذب الاستثمارات ورجال الأعمال كما حدث في العراق".

وخلص إلى أنه "من المستحيل إعادة توحيد سوريا بالقوة أو من خلال هيمنة طرف واحد، مما يجعل الديمقراطية الحل الأمثل لتحقيق التوافق الوطني".

المرحلة الانتقالية بين القرارات الأممية والواقع السوري

الأدوار الإقليمية والدولية

من جانبه، أكد الأستاذ الزائر بالناتو والأكاديمية العسكرية الملكية ببروكسل، سيد غنيم، أن المشهد السوري يشهد تنافسًا معقدًا بين القوى الإقليمية والدولية.

وأشار خلال حديثه لغرفة الأخبار، إلى أن "تركيا أصبحت القوة المسيطرة سياسيا وعسكريا، بينما تراجع النفوذ الإسرائيلي على الرغم من وجوده العسكري".

ولفت إلى أن روسيا تسعى للحفاظ على قواعدها في سوريا في ظل الضغوط التركية والمصالح الأوروبية.

وأشار غنيم إلى احتمال تقسيم سوريا إلى كيانات مختلفة، ربما فيدرالية، إذا لم تتحقق الوحدة الوطنية.

كما تطرق إلى مسألة إلغاء التجنيد الإلزامي، معتبرًا أنها تعكس صعوبة دمج الشعب السوري في جيش موحد، في ظل التحديات السياسية والعسكرية.

الجولاني والضغط الخارجي.. مصالح متشابكة أم شروط ومحاذير؟

الرؤية التركية للمشهد السوري

في سياق متصل، أوضح الباحث في العلاقات الدولية، مهند حافظ أوغلو، أن تركيا تواجه مهمة صعبة في إدارة الملف السوري، حيث تتحمل ضغوطا متزايدة من أطراف إقليمية ودولية.

وقال: "تركيا تعتبر اللاعب الرئيسي في المشهد السوري، وتسعى لتحقيق انتخابات نزيهة لدولة مدنية مستقلة تعكس تنوع المجتمع السوري".

لكنه حذر من أن سقوط النظام السوري ترك فراغا سياسيا وأمنيا استغلته قوى مثل هيئة تحرير الشام، مما يزيد من تعقيد المهمة التركية.

وأضاف أوغلو أن تركيا ترغب في السيطرة على المشهد السوري ضمن حدود معينة، لكنها تدعو إلى التعاون مع الحكومة السورية الحالية والمجتمع الدولي لتحقيق استقرار طويل الأمد.

وأشار إلى تقارير تشير إلى اتفاق ثلاثي بين تركيا وروسيا وإيران بشأن مناطق خفض التصعيد، وهو ما قد يؤثر على مستقبل سوريا.

سوريا.. بين إجماع العقبة والانفتاح الغربي ومسار الجولاني

رؤية محلية للحل

من جانبه، شدد الكاتب والباحث السياسي حسام شعيب، على أهمية أن ينبع الحل للأزمة السورية من الداخل.

وقال: "القرار 2254 يهدف إلى الضغط على النظام السوري لإجراء إصلاحات سياسية حقيقية، بما في ذلك انتخابات رئاسية ونيابية"، لكنه أشار إلى أن "التباينات بين مواقف المعارضة الخارجية تعيق التوصل إلى اتفاق حقيقي".

وأضاف شعيب أن "السوريين في الداخل يرفضون إقامة دولة دينية، نظرًا لتاريخ دمشق ومكانتها الثقافية"، مؤكدًا أن الحل الأمثل هو إقامة دولة مدنية تحترم تنوع المجتمع السوري وتستند إلى إرادة وطنية خالصة.

وتشير المعطيات إلى أن المرحلة الانتقالية في سوريا تواجه تحديات متعددة الأبعاد، بدءًا من غياب توافق داخلي واضح، مرورًا بتشابك المصالح الإقليمية والدولية، وصولًا إلى غموض رؤية الأطراف الفاعلة. يتفق الخبراء على ضرورة تطبيق القرار 2254 كأساس للحل، لكن ذلك يتطلب حوارًا سوريًا-سوريًا حقيقيًا بعيدًا عن الهيمنة الفردية أو التدخلات الخارجية، مع التركيز على تعزيز المواطنة والديمقراطية كركيزتين أساسيتين لمستقبل سوريا.