يواجه قطاع النفط في ليبيا مجموعة من التحديات المفصلية التي تهدد بعرقلة المستهدفات الطموحة التي وضعتها المؤسسات المعنية بالبلاد من أجل رفع معدلات الإنتاج إلى مليوني برميل يومياً بحلول العام 2030.
وعلى الرغم من احتواء تأثير الاضطرابات الأخيرة التي شهدها القطاع على وقع الاحتجاجات التي أثرت بشكل مباشر على الإنتاج، إلا أن حقول النفط عادة ما ترزح تحت وطأة تهديدات بتكرار تلك الأوضاع من جديد، وبما يشكل تحدياً أمام تلك المستهدفات، ذلك أنه لا ضمانة حقيقية لعدم تكرار تلك الاضطرابات المؤثرة.
في العام الماضي، وبينما كان الهدف هو الوصول إلى 1.3 مليون برميل يومياً، بلغ إنتاج ليبيا من النفط نحو 432 مليون برميل، في حدود 1.2 مليون برميل يومياً تقريباً.
وتشير بيانات مصرف ليبيا المركزي، إلى أن إيرادات البلاد من النفط بلغت 99.1 مليار دينار ليبي (20.69 مليار دولار) في 2023 مقارنة مع 105.4 مليار دينار في 2022.
وفي هذا السياق، يتحدث خبراء ومختصون ليبيون في تصريحات متفرقة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عن أبرز العقبات التي تواجه بلوغ المستهدفات الرئيسية على المديين القصير والمتوسط، بما في ذلك العقبات الفنية واللوجيستية المختلفة، وفي ظل حالة الانقسام والاضطرابات الداخلية التي يعاني منها الليبيون.
أسباب تاثر قطاع النفط
المحلل الليبي، خالد الترجمان، حدد في حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عدداً من الأسباب الرئيسية التي تعيق طموحات ليبيا في تعزيز الإنتاج النفطي والإيرادات على وقع حالة الانقسامات والاضطرابات الداخلية بالبلد، ومن بينها:
- الاحتجاجات وإغلاق بعض الحقول النفطية وبعض الموانىء، بما سبب عديداً من الإشكالات لمنظومة المؤسسة الوطنية للنفط والمسؤولة عن استخراج وتصدير النفط، وكذلك وزارة النفط والغاز.
- قلة مخصصات وزارة النفط والمؤسسة الوطنية للنفط نسبياً.
- تأثر عمليات صيانة الآبار ومحطات التجميع والرفع وخطوط النفط في ظل الفساد المالي في بعض المناطق (..).
- وجود مشكلات في خطوط نقل النفط والغاز من حقول الإنتاج متمثلة في تهالك بعض أجزائها في ظل امتداداها لآلاف الكيلومترات والتي أصبحت فعليًا في حاجة إلى استبدالها.
- إغلاق بعض الخطوط في ظل بعض الاعتداءات التي تمت عليها وأيضًا على محطات التجميع وما نجم عنها من خروج الكثير من المحطات عن الخدمة.
- تعرض بعض الحقول ومحطات الرفع في المناطق المنخفضة إلى اعتداءات من قبل بعض الجماعات المسلحة في شرق وجنوب البلاد خلال الحرب.
وأوضح الترجمان أن كل هذه الاشكاليات المذكورة أربكت خطط المؤسسة الوطنية للنفط وأصبحت عاملًا رئيسيًا في انخفاض إنتاج النفط الليبي ليتراوح بين 800 إلى 1.2 مليون برميل فقط بدلًامن تحقيق المستهدفات والتي تتخطى الـ 2 مليون برميل يوميًا.
وخلال يناير الجاري انخفض إنتاج ليبيا من النفط انخفض إلى ما يقل قليلا عن مليون برميل يوميا بعد إغلاق حقل الشرارة ، فضلًا عن تهديد بعض المحتجين بإغلاق منشأتين للنفط والغاز بالقرب من العاصمة الليبية طرابلس هما مجمع مليته ومصفاة الزاوية، وفق ما نقلته رويترز.
وفيما تمت إعادة افتتاح حقل الشرارة النفطي قبل أسبوع، وذلك بعد إعلان حالة "القوة القاهرة" في الحقل على ضوء الاحتجاجات التي تسببت في إغلاقه، فإن الأزمة لم تنته بعد، بالنظر إلى أن الحقول النفطية عادة ما تكون هدفاً دائماً للمحتجين للفت الأنظار إلى مطالبهم، وبما يعمق أزمات القطاع ويهدد باضطرابات قادمة ومُتكررة.
الاحتجاجات المتكررة
من جانبه، يؤكد مدير مركز الأمة للدراسات، محمد الأسمر، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أنه نتيجة للاحتجاجات المتكررة بسبب الأوضاع التي تمر بها البلاد ومطالبات المواطنين بعديد من الإصلاحات، خصوصًا من يقطنون بالقرب من منابع الآبار، ينخفض إنتاج البلاد من النفط، وبما يؤثر على المستهدفات المرتبطة بزيادة معدلات الإنتاج (..).
وأكد الأسمر أن الإغلاقات المتكررة تؤثر في الإنتاجية بشكل عام، ولكن ليست وحدها السبب، ذلك أن هناك الاضطرابات والفساد والذي ينتج عنه عدم الدقة في التشغيل والمتابعة خصوصًا وأن هناك عمليات تهريب تحدث في الإنتاج ورصدت عدة حالات فعلية منها.
وتابع الأسمر أنه عندما اجتمع رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عبد الحميد دبيبة، بمدراء الشركات النفطية الرئيسية في أبريل 2022 لرفع الإنتاج النفطي إلى 2 مليون برميل يوميا كان ذلك من المتوقع حدوثه بحلول 2030 ، مؤكدًا أن شبح الاغلاقات لا زال يهدد هذا الهدف في ظل عدم تلبية متطلبات المواطنين في ظل الوعود المتكررة من قبل الحكومة بحلها.
وفي بيان سابق لها، قالت وزارة النفط والغاز الليبية، إن فقدان الثقة في ديمومة تزويد السوق العالمية بالنفط الليبي، ينتج عنه أن يبقي النفط الليبي دون تسويق، أو يقل الطلب عليه.
وأشارت إلى أن عواقب وتبعات إغلاق المنشآت النفطية "كانت جد جسيمة على ليبيا، وقد يصعب حصر وبيان كل الأضرار والأخطار التي قد تسببها إقفالات اليوم لبعض الحقول النفطية وذلك لكثرتها وتنوع أشكالها".
حلول عملية
ومن أجل تحقيق أكبر معدل لإنتاج النفط في البلاد منذ أكثر من 10 أعوام، سعت الإدارة الجديدة للمؤسسة الوطنية الليبية للنفط، بحسب تصريحات صحفية لرئيس مجلس إدارتها فرحات بن قدارة، إلى إنهاء حوادث إغلاق بعض الجماعات لحقول النفط خلال الاحتجاجات السياسية والاجتماعية، علاوة على تحسين رواتب العاملين في القطاع.
ومن المتوقع ضخ استثمارات بقيمة 17 مليار دولار في 45 مشروعًا لرفع الإنتاج إلى مليوني برميل يوميًا في غضون 5 سنوات، وفق ما أكده المسؤول الليبي في مايو الماضي.
وأكد الأسمر أنه للخروج من الأزمة الحالية في قطاع النفط لابد من حلول عاجلة تتمثل في:
- وجود حكومة مستقرة.
- محاربة حقيقة للفساد.
- إعادة إحياء وتجديد الموانىء النفطية.
- تجديد خطوط الإمداد والنقل من الحقول إلى الموانىء النفطية.
وشدد على أن كل هذه العوامل سترفع من عوائد الحكومة وهذا ما سيؤهلها لتلبية متطلبات الشعب الليبي، ليتبع ذلك إرساء دعائم لتطور البلاد، والتي منها وجود بدائل نفطية.
وتمتلك ليبيا احتياطي من النفط يبلغ 48 مليار برميل نفط، بالإضافة إلى وجود النفط الصخري الذي باستثماره سيرفع الاحتياطي إلى 70 مليارا، وتصدر ليبيا أكثر إنتاجها النفطي إلى أوروبا والصين.
عاملان مؤثران
من جانبه، أشار الخبير الاقتصادي الليبي، علي الصلح، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن إيرادات النفط في ليبيا يؤثر عليها عاملان رئيسيان:
- أولًا الجانب الفني وهو الأهم؛ لأن البنية التحتية لقطاع النفط في ليبيا متهالكة وليست متطورة، حتى أن الدولة خصصت موارد لتطويرها بهدف زيادة الإنتاج. لذا فإن الوصول إلى 1.2 مليون برميل يوميًا على المدى القصير، يؤثر إيجابيًا على الإيرادات المخصصة للاستثمار في القطاع لتطويره أو حتى في إيرادات الدولة الكلية وبهدف الوصول لمستهدفات زيادة الإنتاج على المدى الأبعد.
- الجانب الثاني يتعلق بالاحتجاجات فهي جزء لا يتجزأ من أعمال الضعف في البنية التحتية لقطاع النفط، فأهداف المؤسسة الوطنية للنفط الوصول إلى أعلى معدلات الإنتاج تستحق المتابعة والإصرار عليها، كما أن الاستثمارات الخارجية ستساعد هي الأخرى الاقتصاد الليبي على النهوض ومضاعفة قيمة الإيرادات النفطية.