مع انطلاق الحديث عن اتفاق غزة المزمع تطبيقه، تطفو على السطح أسئلة كبرى بشأن استحقاقات ما بعد الحرب، من إعادة الإعمار إلى الحكم الداخلي ومستقبل القضية الفلسطينية.

وبينما يدعي كل طرف تحقيق مكاسب، تظل الخسائر البشرية والمادية الكبيرة شاهدة على الثمن الباهظ الذي دفعه الجميع، خاصة سكان غزة.

اتفاق غزة في ميزان الربح والخسارة.. وتحديات ما بعد الحرب

الثمن الباهظ.. غزة في قلب الدمار

شهدت غزة دمارًا واسعًا جراء القصف الإسرائيلي، حيث تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أرقام مروعة: نحو 47,000 قتيل فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، وتدمير أكثر من 92% من المباني السكنية، بما في ذلك 160 منزلًا بالكامل. كما نزح نحو مليوني فلسطيني داخليًا، في موجة نزوح تعكس حجم الكارثة الإنسانية.

ولم تسلم البنية التحتية الصحية من الدمار، حيث باتت أكثر من 50% من مستشفيات القطاع غير قادرة على تقديم خدماتها، ما يزيد من معاناة السكان.

في المقابل، تكبدت إسرائيل خسائر بشرية ومادية كبيرة، حيث أشارت تقديرات إلى مقتل نحو 800 جندي وخسائر مادية تجاوزت 34 مليار دولار.

داخليًا، تواجه الحكومة الإسرائيلية انتقادات شعبية وغضبًا متزايدًا، خاصة مع التأخر في استرجاع المحتجزين.

حماس بين المقاومة والاستحقاقات السياسية

على الرغم من الخسائر التي تكبدتها حركة حماس، بما في ذلك اغتيال أبرز قياداتها مثل إسماعيل هنية ويحيى السنوار، فإنها لا تزال ترى في صمودها أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية انتصارًا معنويًا. وفقًا للمرشد الإيراني علي خامنئي، "الصمود أجبر إسرائيل على التراجع"، وهو موقف يعكس تأييد المحور الإيراني للمقاومة.

لكن التساؤل الأهم يظل: ما هو مستقبل حماس كفاعل سياسي؟

يقول رئيس مجموعة الحوار الفلسطيني صادق أبو عامر خلال حديثه لـ"سكاي نيوز عربية": "حماس ليست الخيار الأمثل لإدارة القطاع حاليًا، لكنها لا تزال جزءًا أساسيًا من المشهد الداخلي الفلسطيني". ويضيف أن الحركة تواجه تحديات كبيرة لإعادة التموضع، مؤكدًا أن "الوضع الحالي يتطلب خطابًا سياسيًا جديدًا ومرونة أكبر".

حرب غزة.. الاتفاق في عهد بايدن والتنفيذ في عهد ترامب

إعادة الإعمار.. مسؤولية أم فرصة؟

إعادة إعمار غزة تُعتبر التحدي الأبرز في المرحلة المقبلة، لكنها لا تخلو من تعقيدات. فقد أصبحت القضية الفلسطينية أكثر ارتباطًا بالأمن الإقليمي، حيث أشار المستشار في مركز الأهرام للدراسات السياسية، عمرو الشوبكي، إلى أن "معاناة غزة لا يمكن أن تُعوض بإعادة الإعمار وحدها، بل تحتاج إلى استحقاقات سياسية، مثل إعادة تأهيل السلطة الفلسطينية ومعالجة الانقسام الداخلي".

الاتفاقيات الدولية.. فرص جديدة أم قيود متجددة؟

الاتفاق الأخير بين إسرائيل وحماس لم يكن ليتم دون تدخل دولي، لكنه يطرح تحديات جديدة. يرى محلل الشؤون الأميركية موفق حرب أن "الاختلاف في تعريف الربح والخسارة يعكس تناقض المفاهيم الأيديولوجية بين الأطراف".

في حين أن حماس تعتبر الاتفاق انتصارًا معنويًا، ترى إسرائيل أنه لا يعدو كونه ترتيبات أمنية مؤقتة.

وفي السياق ذاته، يُبرز النص دور الولايات المتحدة في صياغة الاتفاقات. ففيما يتباهى الرئيس السابق دونالد ترامب بدوره في تحقيق هذه التفاهمات، يشير الرئيس الحالي جو بايدن إلى أنها خطوة نحو إقناع إسرائيل بأهمية وجود دولة فلسطينية كجزء من النظام الإقليمي. لكن يبقى التحدي في ترجمة هذه الرؤية إلى واقع ملموس.

اتفاق غزة.. ترقب يسود الشارعين الفلسطيني والإسرائيلي

ما بعد الحرب.. إلى أين تتجه غزة؟

الوضع في غزة يشير إلى أن الاستحقاقات أكبر من مجرد وقف إطلاق النار. فالصراع بين الفصائل الفلسطينية، خاصة بين حماس والسلطة الفلسطينية، يعكس واقعًا معقدًا.

الحاجة باتت مُلحة لتوحيد المؤسسات الفلسطينية وتجديد القيادة، حيث يقول صادق أبو عامر: "استمرار الانقسام قد يؤدي إلى ضياع المكتسبات التي حققها الفلسطينيون رغم التضحيات الكبيرة".

على الجانب الآخر، يظل التحدي الأكبر هو استعادة ثقة المجتمع الدولي، الذي ينظر إلى القضية الفلسطينية من زاوية المساعدات الإنسانية أكثر من كونها قضية سياسية. ومع تزايد الضغط على الأونروا، هناك تساؤلات حول مستقبل الدعم الدولي للفلسطينيين.

نحو مشروع وطني جديد

في ظل المعاناة المستمرة والدمار الواسع، يبقى الأمل معقودًا على بناء مشروع وطني فلسطيني يُعبر عن طموحات الشعب الفلسطيني. ويؤكد الشوبكي أن "التجربة السياسية لحماس لم تحقق مكاسب ملموسة للفلسطينيين، ما يستدعي إعادة صياغة المشهد الفلسطيني وتقديم بدائل حقيقية".