يأتي المؤتمر الدولي للحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر، الذي عقد مؤخرا في أبوظبي، خطوة على طريق مساعي العالم لحماية تاريخ البشر، بعد وقائع اعتداءات المتطرفين عليه شهدتها أماكن الصراعات، على مدار السنوات الأخيرة.
وتعد الأماكن التي تحوي آثارا أو تراثا إنسانيا، من بين الأكثر جذبا للجماعات المتطرفة، إما لتدميرها بداعي تنافي وجودها مع الشريعة، أو للإتجار فيها وتحقيق مكاسب مادية.
وخلال النزاعات المسلحة التي شهدتها مؤخرا عدة دول، لم يكذب الإرهابيون خبرا، ودمروا أو نهبوا مناطق تراثية لا تقدر بثمن كلما أمكنهم ذلك.
ففي سوريا تقول الأمم المتحدة إن أكثر من 300 موقع أثري تضرر أو دمر أو نهب، خلال النزاع الذي بدأ قبل ما يقترب من 6 سنوات، ولعل أهمها في مدينة تدمر وسط البلاد.
وفجر تنظيم "داعش" معبد بعل شمين الشهير في تدمر، في أغسطس 2015، مما أدى إلى تدمير الهيكل وانهيار الأعمدة، بعد أيام من مقتل المدير السابق للآثار في المدينة خالد الأسعد برصاص مسلحي التنظيم.
وفي يوليو من العام ذاته، دمر التنظيم تمثال "أسد أثينا" عند مدخل متحف تدمر، وقام بتحويل المتحف إلى محكمة وسجن.
وفي العراق نفذ تنظيم "داعش" أيضا ما سماه "تطهيرا ثقافيا"، فدمر جزءا من آثار بلاد ما بين النهرين التاريخية بحسب الأمم المتحدة، أو باع بعض قطعها في السوق السوداء.
وبدا في تسجيل نشر في فبراير 2015 عناصر من التنظيم يخربون آثارا قيمة سابقة للإسلام في متحف الموصل، ثاني مدن العراق، وأفاد مسؤولو مديرية الآثار أن حوالى 90 قطعة دمرت أو تضررت.
كما أحرق المتطرفون مكتبة الموصل وفجروا في يوليو 2014 مرقد النبي يونس أمام حشد من المشاهدين.
وفي أبريل 2015 نشر فيديو بدا فيه عناصر "داعش" يهدمون بالجرافات والمعاول والمتفجرات آثار مدينة نمرود جوهرة الإمبراطورية الآشورية، التي تاسست في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، كما هدموا مدينة الحضر التاريخية التي تعود إلى الحقبة الرومانية قبل أكثر من ألفي عام، في محافظة نينوى (شمال).
ولم تسلم ليبيا من يد العبث بالتراث، فقد دمر متشددون عددا من الأضرحة بالجرافات أو المتفجرات في مختلف أنحاء البلاد بعد سقوط نظام معمر القذافي في 2011، حيث يعتبرون إقامة أضرحة للأولياء تخالف تعاليم الإسلام.
وفي 2012 فجر عشرات المتطرفين في زليتن شرق طرابلس، ضريح الشيخ عبد السلام الأسمر، وهو عالم وداعية صوفي مسلم من القرن السادس عشر، ويعتبر على نطاق واسع من أهم أولياء ليبيا، كما تعرضت مكتبة وجامعة باسم الشيخ للنهب والتخريب.
وفي مصراتة تعرض ضريح الشيخ أحمد زروق للتدمير.
أما في في تاجوراء بضواحي طرابلس، فقد استهدف هجوم بالمتفجرات في 2013 ضريح مراد آغا الذي يعود إلى القرن السادس عشر ويعتبر أحد أقدم الأضرحة.
وفي 2014 دانت منظمة اليونسكو أعمال تخريب طالت عددا من مساجد طرابلس، بينها مسجد أحمد باشا القره مانلي الذي يعود إلى القرن الثامن عشر.
وفي مالي خضعت تمبكتو، "مدينة الـ333 وليا" المدرجة في لائحة اليونيسكو للتراث البشري، منذ أبريل 2012 إلى يناير 2013 لسيطرة جماعات متطرفة عمدت إلى تشويهها.
ففي يونيو 2012 قام متطرفو حركات مرتبطة بالقاعدة، يعتبرون تكريم الأولياء "عبادة للأوثان" بتدمير عدد من الأضرحة، بعضها في هم مساجد المدينة، كما دمروا أضرحة أخرى تشهد على الحقبة الذهبية للمدينة في القرن السادس عشر.
وفي مطلع 2013 تعرض معهد أحمد بابا للبحوث الإسلامية للتخريب، لكن تمت حماية الجزء الأكبر من المخطوطات الشهيرة والكتب القيمة، وبدأت إعادة بنائه في مارس 2015.
وبالعودة إلى عام 2001، فقد أمر زعيم طالبان السابق الملا عمر عام 2001، بتدمير تمثالين عملاقين لبوذا منحوتين في الصخر في باميان شرق وسط أفغانستان.
ويعتبران التمثالان من الكنوز الأثرية، ويعودان إلى أكثر من 1500 عام، واعتبر الملا أنهما "يخالفان الإسلام كونهما أصناما".
وتوافد المئات من مسلحي طالبان من مختلف أنحاء البلاد، وعملوا طوال 25 يوما على تدمير التمثالين بالقذائف والمتفجرات.