يواجه المجلس العسكري الحاكم بمالي اختبارا أمام الرأي العام، بعد قدرة جماعة تابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي، على اختراق التحصينات الأمنية، وشن هجمات كبيرة على مواقع عسكرية والمطار الدولي في العاصمة، وفق خبراء.
كما يطال هذا الاختبار مستقبل شركة فاغنر الروسية التي استعان بها المجلس لدعم حربه ضد الإرهاب، ولم تستطع منع وصول الهجمات إلى باماكو.
وذكرت مصادر مالية، لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن عناصر من جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، التابعة لتنظيم القاعدة، اقتحموا المطار وأشعلوا النيران في طائرة.
ماذا حدث؟
- استهدف الهجوم مواقع عسكرية للجيش ومجموعة "فاغنر" الروسية، بما في ذلك مطار موديبو كيتا سينو الدولي العسكري، إذ أظهرت مقاطع فيديو مشاهد حرق وتدمير، بما في ذلك إحراق طائرة مدنية وتخريب مرافق المطار.
- أعلن المتحدث باسم الجيش أن العملية استهدفت المطار العسكري ومركز تدريب قوات الدرك، وسط العاصمة، فجر الثلاثاء، و"تسببت في خسائر بشرية ومادية فادحة، وتدمير عدة طائرات عسكرية"، دون ذكر تفاصيل عن حجم الخسائر.
- قال رئيس أركان الجيوش، الجنرال عمر ديارا، للتلفزيون الرسمي، إن "الوضع تحت السيطرة".
- من ناحيتها، أعلنت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" مسؤوليتها عن الهجوم، عبر موقعها الإعلامي "الزلاقة"، مدعيةً أنها ألحقت خسائر جسيمة بالأرواح والممتلكات.
- أفادت تقارير بأن الجيش صد الهجوم، وقتل أكثر من 15 إرهابيا، بما في ذلك قائد المجموعة المهاجمة.
- يُعد الهجوم على المطار من أكبر العمليات التي نفّذتها الجماعة الإرهابية في منطقة الساحل.
- أعقب الهجوم اعتداءات استهدفت عرقية "الفلان"، والتي يُعتقد أن بعض أفرادها ينتمون إلى التنظيم المتطرف.
تغييرات قادمة
وفق المحلل السياسي المالي، حمدي جوارا، فإن جميع المهاجمين للمطار، بما في ذلك زعيمهم، ومجموعهم 15، تم قتلهم، مشيرا إلى أن الهجوم وقع قرب حي ييريماجو وفالاجي، إذ تمكن الإرهابيون من دخول المطار وإحراق جزء من الطائرة الرئاسية.
وتوقّع جوارا أن تكون لهذه العملية تداعيات سياسية كبيرة، مثل أن تؤدي للإطاحة ببعض المسؤولين في المؤسسات الأمنية، معتبرا أن هذا الحد الأدنى لما يجب اتخاذه.
وبتعبير المحلل المالي، فإن "أي شخص يسعى إلى زعزعة استقرار مالي، خلال هذه الفترة الانتقالية، سواء كان من الإرهابيين أو حتى من أفراد الجيش، سيواجه مصيره المحتوم".
وتعبيرا عن وجهة نظر معارضة للحكومة، قال سيد بن بيلا الفردي، ممثل تنسيقية الحركات الوطنية الأزوادية، إن تفاصيل العملية ما زالت غير مكتملة، لكنه أضاف أن الهجوم وقع تزامنا مع مناسبتين رسميتين؛ الأولى احتفال "مجموعة تحالف الساحل" بتوحيدها، والأخرى هي عيد الدرك، واستغل المهاجمون هذه المناسبات لضرب الأهداف العسكرية والمدنية.
كما لفت إلى أن الوضع في الشوارع توتّر للغاية "إذ تم التحريض على استهداف وقتل الأشخاص الذين يحملون سمات عِرقية؛ مثل الفلانيين والعرب والطوارق، وتم قتل أبرياء وحرقهم في الشوارع، رغم أنه لا علاقة لهم بالهجوم أو منفذيه".
وحسب بن بيلا، فإن ضمن خسائر الهجوم "تدمير مرافق في المطار والطائرات، كما أُفيد بمقتل عدد جنود ماليين ومرتزقة روس".
مستقبل المجلس العسكري
يصف الباحث في "مركز راند" الأميركي للاستشارات الأمنية، مايكل شوركين، الهجوم بأنه "تطور خطير؛ إذ يظهر أن جماعة 'نصرة الإسلام والمسلمين' قادرة على تنظيم هجوم بهذا الحجم في قلب العاصمة، رغم الجهود المكثفة التي يبذلها الجيش المالي والمرتزقة الروس".
ويلفت شوركين إلى أن الهجوم أظهر أن الجماعة تركز على الأهداف العسكرية الكبيرة، وليس على الهجمات العشوائية ضد المدنيين.
وعن بيان الجيش بشأن السيطرة على الوضع، قال: "المجلس العسكري الحاكم قد يتفاخر بقدرته على وقف الهجوم، لكن الواقع أن الهجوم وقع بالفعل، مما يثير تساؤلات بشأن تأثير ذلك على الرأي العام".
ويواصِل موضحا هذه النقطة: "مِن المهم متابعة هل سيُؤدي ذلك إلى تراجع ثقة المواطنين في المجلس العسكري، أم سيحشدون المزيد من الدعم له"، ورأى أن الرسالة الواضحة من الهجوم أن جماعة النصرة "قوية ولديها القدرة على ضرب السلطة في عقر دارها".
رمزية الطائرة الرئاسية
أمر آخر اعتبره رسالة قوية، وهو "إشعال النار في الطائرة الرئاسية، وهي طائرة كبيرة من طراز 767، ورغم أنها ليست عسكرية، فإن استهدافها يحمل رمزية قوية، خاصة أن شراءها ارتبط بفضيحة سابقة"، معتبرا أن الجماعة استخدمت ذلك لتذكير الناس بـ"فساد" الحكومة.
ويقود مالي المجلس العسكري الذي تولى الحكم عام 2021، برئاسة العقيد أسيمي جويتا، بعد انقلاب عسكري.
وبعد خلافات مع القوات الفرنسية، الموجودة في مالي، بشأن جهود مكافحة الإرهاب، ورحيلها عن البلاد، استعان المجلس بشركة "فاغنر" الروسية في صد الجماعات الإرهابية، وكذلك المتمردين في إقليم أزواد شمالي البلاد، وهو ما اتخذه تنظيم "القاعدة" حجة لمواصلة هجومه ضد الحكومة، باعتبارها تجلب قوات أجنبية وغير مسلمة للبلاد.
وتخوض مالي منذ عام 2012 معارك واسعة مع المتمردين في أزواد، ثم مع تنظيم القاعدة، ممثلا في جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، وفي وقت لاحق مع تنظيم داعش، وإن كانت هجماتهم تركّز على شمال ووسط البلاد، ونادرا ما استطاعوا تنفيذ هجمات كبيرة في العاصمة.