قدم رئيس وزراء تشاد سيكسه ماسرا استقالته، الأربعاء، بعد أسبوعين من خسارته الانتخابات الرئاسية، التي فاز بها الجنرال محمد إدريس ديبي رئيس المجلس العسكري، بعد أن أدار المرحلة الانتقالية في البلاد لمدة 3 سنوات.
وكتب ماسرا عبر صفحته على "فيسبوك"، مرفقا صورة من الاستقالة التي كتبت بخط اليد: "قدمت للتو استقالتي واستقالة الحكومة الانتقالية، التي أصبحت غير ذات أهمية مع انتهاء الانتخابات الرئاسية"، وفقا للدستور.
ويأتي هذا التطور قبل يوم من إعلان تنصيب ديبي رئيسا للبلاد، بعد فوزه بنسبة 61 بالمئة من الأصوات في الانتخابات التي جرت يوم 6 مايو الجاري.
واعترض ماسرا على نتيجة الانتخابات التي حصل فيها على 18.54 بالمئة، حسب الأرقام المعتمدة من المجلس الدستوري، معتبرا نفسه منتخبا في الجولة الأولى، وتقدم باستئناف لإلغاء التصويت، وهو ما رفضه المجلس في 16 مايو، واعتمد فوز ديبي.
ويرصد معارضون وخبراء قانون ومحللون سياسيون من تشاد، في حديثهم لموقع "سكاي نيوز عربية"، الخطوات التي يتوقعون أن يقدِم عليها ماسرا الأيام المقبلة، وما إن كان سيعتزل الحياة السياسية أم سينخرط في الحكومة، أم يقود احتجاجات قد تجدد أحداثا دموية وقعت قبل عامين.
مشوار ماسرا السياسي
- الاقتصادي صاحب الـ40 عاما كان معارضا شرسا للرئيس الراحل إدريس ديبي والد الرئيس الحالي، الذي قتل خلال معارك مع المتمردين عام 2021.
- بعد تسلم المجلس العسكري الحكم برئاسة ديبي الابن، حصل تقارب بينهما وتم تعيين ماسرا رئيسا للوزراء.
- رشح ماسرا نفسه للانتخابات الرئاسية، لكن الكثير من الحركات المعارضة اتهموه بأنه ترشح بموافقة ضمنية من ديبي لـ"إضافة صبغة ديمقراطية" على المنافسة الانتخابية والحكومة المقبلة.
- إلا أنه خلال الحملة الانتخابية أظهر قدرة على حشد جماهير، حتى قيل إنه لم يكن قادرا على الفوز، فعلى الأقل بإمكانه قيادة الانتخابات نحو جولة ثانية.
- بعد ظهور النتائج بفوز ديبي، تقدم باستئناف إلى المجلس الدستوري الذي رفض الاستئناف، فدعا ماسرا مؤيديه لمواصلة الاحتجاجات بشكل سلمي، كما قدم استقالته من منصب رئيس الوزراء.
قرار "متسرع"
المحلل السياسي التشادي الدكتور حسن كلي ورتي، يصف استقالة ماسرا بأنها "متسرعة"، لأن "الطبيعي أن الحكومة ستقدم استقالتها للرئيس بعد حفل تنصيبه الخميس ليكوّن حكومة جديدة للجمهورية الخامسة".
ويتوقع ورتي أن الاستقالة الآن "إشارة من ماسرا لعدم رضاه عن نتائج الانتخابات".
وعن حجم الاحتجاجات المتوقع أن ينظمها مؤيدوه، لا يرجح المحلل السياسي أنها ستتحول لمظاهرات كبيرة في الشوارع، ويستند في رأيه إلى تجربة سابقة، قائلا:
- ماسرا يخشى الإقدام على أي حركة غير محسوبة، حتى لا يتكرر ما حدث قبل عامين حين دعا لمظاهرات تحولت لأعمال عنف، وقتل فيها العشرات.
- هناك غضب وسط أنصار ماسرا بهذا الشأن، خاصة أنه بعد أن تسبب في مقتل وإصابة 300 شخص قبل عامين في الاحتجاجات، تصالح مع الحكومة وتولى رئاسة الوزراء.
- ماسرا كذلك يخشى أن تحرك الحكومة دعاوى قديمة تطالب باعتقاله، خاصة أنه لم يعلن عن إلغائها، ومن الممكن فتح هذه الملفات.
3 خيارات
يرجح القيادي في ائتلاف "وقت تما" المعارض زكريا آدم زكريا، أنه لن تكون هناك استجابة كبيرة لأي محاولة للتظاهر في الشارع لدعم دعاوى ماسرا في أنه الفائز بالانتخابات، كي لا تتكرر الأحداث الدامية التي وقعت قبل عامين.
في المقابل، يقول زكريا إن "ماسرا أمامه عدة خيارات: إما القبول بالأمر الواقع مكتفيا بصفة رئيس وزراء سابق، أو عقد صفقة جديدة مع السلطة تعيده لمنصب رئيس الوزراء والشراكة مع الرئيس، أو الخيار الصعب وهو العودة لصفوف المعارضة وحشد الشارع وهذا سيضعه في مواجهة مباشرة مع السلطة قد تنتهي باعتقاله".
"لا تغيير جوهريا"
الخبير القانوني العابد مصطفى، يلفت إلى أن الانتخابات جرت في ظروف "أقل ما توصف بأنها صعبة ومعقدة"، حيث "تحيط بتشاد دول ملتهبة (السودان وليبيا وإفريقيا الوسطى والنيجر)، إضافة للجماعات الإرهابية المتربصة، وتداخُل وتقاطع مصالح قوى دولية، مثل الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا والاتحاد الأوروبي".
ولا يتوقع مصطفى حدوث "تغيير جوهري" في البلاد بعد الانتخابات "ما دامت السيطرة والهيمنة الفرنسية العسكرية والاقتصادية مستمرتين".
ويقول: "فرنسا تسبب الكثير من المتاعب لتشاد، وهدفها السيطرة على ثرواتنا وقراراتنا. كل شعوب إفريقيا تعتقد أن فرنسا هي الداعم للديكتاتوريات الإفريقية، وهي تنظر بعين الرضا لفوز ديبي، حيث تستضيف البلاد آخر القواعد الفرنسية في منطقة الساحل بعد خروجها من كل دول الجوار، ولا تحظى بقبول شعبي".
ومنذ استقلال تشاد عن فرنسا عام 1960 تتوالى فيها الانقلابات العسكرية، واحتفظت باريس فيها بوجود سياسي وعسكري واقتصادي مميز، إلا أن حركات معارضة وشعبية تطالب منذ أشهر برحيل القوات الفرنسية، وإعادة تقييم العلاقات بين البلدين.