تواصل الانتخابات في بريطانيا، تقديم الأقليات بطريقة لافتة، في سلم الحكم والسلطة والسياسية، مع إعادة انتخاب صادق خان ذي الأصول الباكستانية، رئيسا لبلدية لندن، بالانتخابات المحلية، في ظل تنافس مع حزب المحافظين الذي يترأسه رئيس الحكومة، ريتشي سوناك ذي الأصول الهندية.
هذا التنافس السياسي الذي يبدو على أشده بين أبرز وجوه قادمة من رحم الأقليات في بريطانيا، يراه محلل سياسي بريطاني، مارس العمل الحزبي سابقا عبر حزب المحافظين، لـ"سكاي نيوز عربية"، "يعكس تنوعا واعترافا بأهمية الأصوات المتنوعة في الحكم وتقدما لافتا للأقليات"، غير أن يحمل مخاوف وتحديات.
تقدم سياسي
وأظهرت نتائج نهائية يوم السبت إعادة انتخاب صادق خان رئيسا لبلدية لندن، مما يعزز تقدم حزب العمال المعارض على حزب المحافظين الحاكم الذي يتزعه سوناك في الانتخابات المحلية قبل الانتخابات العامة المقررة في بريطانيا في وقت لاحق هذا العام.
خان، الذي صار أول رئيس مسلم لبلدية لندن في عام 2016 فاز للمرة الثالثة له على التوالي، فيما صارت لندن الأحدث بين عشرات من المجالس والبلديات التي فاز بها حزب العمال في الانتخابات المحلية التي أجريت يوم الخميس، وهو ما يلحق خسائر فادحة بحزب المحافظين الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء ريشي سوناك.
وتتوقع استطلاعات الرأي فوز حزب العمال في الانتخابات العامة المقبلة، مما سيدفع زعيمه ستارمر إلى السلطة وينهي وجود حكومة المحافظين المستمر منذ 14 عاما.
مشاركة وانتماء
هذه المنافسات التي يتزعمها وجوه تنتمى لأقليات في بريطانيا، تعود لمشاركة سياسية عالية منهم، وفق استطلاع رأي خرجت نتائجه في أبريل 2023.
وتوصل الاستطلاع الذي أجرته جامعات سانت أندروز ومانشستر وكينجز كوليدج لندن، أن هناك درجة عالية من المشاركة السياسية بين مجموعات الأقليات العرقية، حسب ما وفقا لما ذكرته وكالة أنباء “بي إيه ميديا” البريطانية.
وجاءت تلك المشاركة العالية، مع "وجود غالبية كبيرة من الأقليات التي تشعر بإحساس قوي بالانتماء إلى المجتمع البريطاني"، رغم أنه توصل إلى "نتائج صادمة بشأن عدم المساواة بين الأفراد ببريطانيا".
وبحسب تقرير نشرته بي بي سي البريطانية في نوفمبر 2022، فإن إحصاء أجرى عام 2021، يشير إلى ارتفاع عدد الذين يُعرفون بأنهم مسلمون من 4.9 في المئة في 2011 إلى 6.5 في المئة العام الماضي.
تقدم محفوف بمخاوف
الأمر يحمل دلالة كثيرة وفق ماثيو روبنسون، الذي كان رئيسًا لحزب المحافظين في أيرلندا الشمالية حتى العام الماضي، في حديث مع "سكاي نيوز عربية".
وأوضح المحلل السياسي البريطاني أن "تقدم الأقليات في المشهد السياسي البريطاني واضح بالفعل".
وقال إن ذلك "التقدم يعكس التنوع المتزايد في الممثلين المنتخبين، كما رأينا في الانتخابات المحلية التي جرت هذا الأسبوع أيضًا".
ويعود هذا الاتجاه إلى "عوامل مختلفة، بما في ذلك زيادة جهود التمثيل، وتغيير التركيبة السكانية، والاعتراف بأهمية الأصوات المتنوعة في الحكم"، يضيف روبنسون.
ويستدرك روبنسون، قائلا: "مع ذلك، فإن تأثير هذا التقدم يمكن أن يختلف. وفي حين أنها يمكن أن تؤدي إلى نتائج إيجابية مثل زيادة الإدماج والتمثيل، فإنها قد تواجه أيضًا تحديات مثل زيادة التدقيق أو التمييز، بما في ذلك الإسلاموفبيا، بالنسبة للجاليات المسلمة".
ومتطرقا لتجربته السياسية، قال إنه "بالتأمل في تجربتي كرئيس لحزب المحافظين في أيرلندا الشمالية، أعتقد أن تعزيز بيئة سياسية شاملة أمر بالغ الأهمية لمستقبل الأقليات في بريطانيا".
وأضاف: "لا يتضمن ذلك زيادة التمثيل فحسب، بل يشمل أيضًا معالجة العوائق النظامية وتعزيز التفاهم والقبول بين المجتمعات".
أجواء متوترة
في المقابل، تحدث عضو حزب العمال البريطاني مصطفى رجب، لسكاي نيوز عربية، بأن الانتخابات المحلية جاءت وسط أجواء يُسيطر عليها "القلق والغضب"؛ جراء انتقادات تراجع أداء الحكومة على الجانب الاقتصادي وبعدها عن نبض الشارع البريطاني، بحد تعبيره.
وأوضح "رجب" أنه "بعيدًا عن المحافظين والعمال، فالأحزاب الأخرى لن تفوز بأي نسب مُشجعة، ورغم امتناع الكثير عن الانتخابات وسيظهر ذلك بعد إعلان النتائج النهائية، إلا أن حزب العمال سيخرج بنتيجة أفضل".
وأرجع ذلك إلى "سوء أداء حكومة المحافظين، وعدم امتلاك حلول مؤثرة للأزمات الداخلية، والتحديات الدولية، على غرار الانقسام بشأن الموقف من حرب غزة".
أما بالنسبة لانتخابات عمدة لندن، فيرى "رجب" أن المنافسة حُسمت لصالح صادق خان متفوّقا بفارق كبير على منافسته المحافظة سوزان هول؛ نظرا لمواقفه وليس لأدائه، إذ كان هناك اعتراضات عليه من المواطنين كذلك على عدة قرارات داخلية.
وأظهرت النتائج فوز حزب العمال بأكثر من 180 مقعدا ورئاسة 8 مجالس محلية إضافية، فيما خسر المحافظون نحو 470 مقعدا و10 مجالس محلية على الأقل.
تحديات
وهذه المخاوف تحدث عنها الإعلامي السعودي، عبد الرحمن الراشد في تغريدة الأحد، عبر حسابه بمنصة إكس، معلقا عن هذا التقدم، الذي تشير له كما يقول "تغريدة فرنسية غير سعيدة حول نتائج الانتخابات المحلية في بريطانيا وما يبدو أنه مد (من) المسلمين يستولي على المشهد السياسي في بريطانيا".
ويعلق الراشد قائلا: "جزئياً هو صحيح، من حيث تفاعل مسلمي بريطانيا وخوضهم الترشح وتصويت الأقليات المتزايد للمرشحين".
ويرى أن "النظام في بريطانيا، يمنحهم حق المشاركة مثلما يسمح لكل البريطانيين على اختلاف هوياتهم. ولهم فيه نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات".
ويعتقد أن "المشكلة، ليست الحضور المتزايد للمسلمين بعمدة لندن المنصب المهم وبقية الأقليات عبر سوناك رئيس الوزراء وهو هندوسي بل هي في تزايد الشخصيات المتطرفة من مسلمين وغيرهم، والخطاب المتطرف عند الشعبويين السياسيين، حتى من غير المسلمين، الذين يستغلون أصوات الأقليات للصعود على سلم الحكم المحلي".