توقع خبراء في العلاقات الدولية أن تزداد مشاكل فرنسا في إفريقيا صعوبة الفترة المقبلة؛ فبعد فقدها مالي وبوركينا فاسو والنيجر، فإن السنغال مرشحة لتقلص النفوذ الفرنسي فيها بعد تولي قيادة جديدة الحكم في البلاد، معروفة بتوجهاتها لـ"تحرير السنغال من التبعية للمستعمرين السابقين".
ويعرض محللون سياسيون لموقع "سكاي نيوز عربية"، الخطوط العريضة لأفكار الرئيس السنغالي الجديد، باسيرو ديوماي فاي، في السياسة الخارجية، وما قد يترتب عليها من تغيّر في علاقة داكار بالدولة التي تحرّرت من احتلالها عام 1960.
وفاز فاي بشكل مفاجئ في الانتخابات الرئاسية، التي جرت مارس الماضي، بنسبة 54.28 بالمئة؛ ليتولى الحكم خلفا للرئيس ماكي سال الذي لم يشارك في هذه الانتخابات، وفاز فاي بالانتخابات بعد أيام قليلة من خروجه من السجن، ما اعتبر مؤشرا على شعبية" أفكاره المختلفة عن سلفه".
مستقبل فرنسا في السنغال
يقول المحلل السياسي المقيم في باريس، محمد تورشين، إن الانتخابات جرت في ظروف معقدة جدا بعد محاولة الرئيس ماكي سال تأجيلها، وهو ما رفضته المحكمة الدستورية، وقضت بضرورة تنظيم الانتخابات في فترة وجيزة.
وعن توجهات فاي، يضيف تورشين:
- الرئيس فاي ورئيس وزرائه، عثمان سونكو، ينتميان لتيار يعتمد على التحرر من التبعية للغرب بشكل عام، وبالأخص فرنسا، ويدعو لإعادة النظر في الاتفاقيات وبروتوكولات ا لتعاون الاقتصادي والأمني معها.
- يدعو لمراجعة الوجود الفرنسي بمنطقة غرب إفريقيا.
- لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يدعو للتخلي عن عملة الفرنك الإفريقي، وسك عملة سنغالية جديدة.
وفي تقدير تورشين، فإن فوز فاي ضربة جديدة للوجود الفرنسي، بعد خسارة باريس وجودها في مالي وبوركينا فاسو ثم النيجر؛ نتيجة عدم استحداثها آليات جديدة للتعاطي مع التغيرات الجارية في القارة "ففرنسا ظلت تتعامل بذات خطط ستينيات وسبعينيات القرن الماضي".
واعتبر تورشين، أن محافظة باريس على نفوذها، يحتاج لإعادة النظر في سياستها، في ظل وجود منافسين حقيقيين من ذات التوجه؛ مثل الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل والهند، أو منافسين من توجهات متعارضة؛ مثل الصين وروسيا.
شراكة لا قطيعة
لا يتوقع الباحث السنغالي عبد الأحد عبد الرشيد، أن الرئيس فاي قد يذهب للقطيعة مع فرنسا بشكل جذري، على غرار ما حدث في دول أخرى، لكن قد يتعامل معها كشريك استراتيجي قديم للسنغال، مع مراعاة مصالح السنغال.
ويضيف أن "فريقه السياسي اقترح خلال الحملة الانتخابية طرح إصلاحات لتطوير عملة الفرنك "سيفا"، وفي حالة رفض فرنسا هذه الاقتراحات، ستشرع السنغال في بناء اقتصاد قوي يمكنها من الوصول إلى عملة خاصة بها تدريجيا.
وتعد السنغال مع تشاد من آخر ما تبقى لفرنسا من نفوذ مباشر غرب إفريقيا، وتحتفظ باريس بوجود عسكري محدود بنحو 500 جندي في السنغال، لكن وزارة الدفاع الفرنسية أعلنت قبل الانتخابات عزمها تقليص عددهم لنحو 260 جندي بحلول يونيو المقبل، غالبيتهم من المستشارين والمدربين.
تخل تدريجي
يتوقع الباحث في الشؤون الإفريقية، محمد الأمين سوداغو، أنه لن يحدث في هذه المرحلة تغيير كبير كالذي ينتظره الشباب في السنغال، لكن "القيادة الجديدة ستعمل على تفكيك الهيمنة الفرنسية بالتدريج، وإضعاف القوى الفرنسية الخشنة والناعمة في السنغال، ولن تتصرف مثل القادة العسكريين في بوركينا فاسو ومالي والنيجر؛ لأن ظروف تلك البلاد مختلفة تماما".
ويلفت سوداغو إلى بعد آخر في توجهات القيادة السنغالية الجديدة، وهي أن ديوماي فاي وعثمان سونكو "كانا قريبين من الحركات الطلابية الإسلامية المقربة من جماعة عباد الرحمن السنية في السنغال، وشاركا في مناسبات كثيرة لنصرة قضايا المسلمين، ومنها القضية الفلسطينية".
وطالبت بوركينا فاسو ومالي والنيجر، بعد تولي القيادات الحالية الحكم فيها، فرنسا بسحب قواتها منها، ووصل الأمر أحيانا لقطع العلاقات الدبلوماسية، كما حدث بين النيجر وفرنسا.
من هو باسيرو ديوماي فاي؟
- ولد فاي عام 1980 لأسرة متواضعة، ودرس القانون في جامعة الشيخ أنتا ديوب بدكار، وحصل على شهادة المتريز في القانون عام 2004.
- درس في المدرسة الوطنية للإدارة، وعمل موظّفا في إدارة الضرائب والعقار، وهناك تعرّف على صديقه المعارض المعروف، عثمان سونكو.
- في عام 2014، شارك في تأسيس حزب باستيف الذي يقوده سونكو، ودخل السجن قبل عام بعدة تهم؛ منها ازدراء المحكمة، وحصل على عفو، مكنه بعد خروجه من السجن من المشاركة في الانتخابات.
والسنغال من الدول التي لم تشهد انقلابات عسكرية منذ نالت استقلالها عن فرنسا عام 1960، ولأول مرة في تاريخ السنغال لا يشارك رئيس في المنصب بالانتخابات، بينما اختار الائتلاف الحاكم رئيس الوزراء السابق أمادو با، (62 عاما)، مرشحا له.