تضع الانتخابات الأميركية المرتقبة ملفات العالم رهن خيارين لسياستين مختلفتين، عراب الأولى فيهما الرئيس الحالي جو بايدن ومهندس الأخرى الرئيس السابق دونالد ترامب، وعلى الرغم من وضوح اختلاف الرؤى في ملفات عدة، إلا أن القلق من سياسة كليهما يغلف الكثير من الخطوات عالميا في هذه الفترة الحرجة.
أوكرانيا بتعقيداتها خير مثال على ذلك القلق، فبايدن ينتظر موافقة الكونغرس على تشريع يريد منه دعم أوكرانيا أكثر، لكن عقبات الخلاف الجمهوري الديمقراطي تقف حيال ذلك، وترامب صرح مرارا وتكرارا أنه بمجرد وصوله للبيت الأبيض مجددا سيضع الحدود الذي لم يستطع أحد وضعها للحرب الروسية الأوكراينة وسط مخاوف من أن يكون أحد تلك الحدود هو وقف الدعم نهائيا.
أوروبا وأوكرانيا و"الهدف المنشود"
وفي ظل هذا كله، حرصت أوروبا على استمرار دعمها لأوكرانيا التي غدت "معرض سلاح عالمي" في سباق مع الزمن أنعشت فيه أزمات بايدن وشبح وصول ترامب إلى السلطة مجددا الصناعات الدفاعية للقارة العجوز التي تقلقها تطلعات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
مفوض السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أعلن أن الاتحاد الأوروبي ودوله زودوا أوكرانيا معا بأسلحة قيمتها 28 مليار يورو من 2022 إلى 2023، مؤكدا: "هذا الرقم آخذ في النمو، ونتوقع أن يصل هذا العام إلى 21 مليار يورو في عام واحد فقط".
الدول الأعضاء في التكتل تعهدت في شهر مارس 2023 بتزويد أوكرانيا بمليون قذيفة مدفعية وتسليمها في غضون 12 شهرا.
ودافع بوريل عن جهود الاتحاد الأوروبي باعتبارها "قيد الإنجاز"، لافتا إلى أن الشحنات المرسلة إلى أوكرانيا ستصل الآن إلى 524 ألف قذيفة.
وقال بوريل، في مؤتمر صحفي بعد اجتماع غير رسمي لوزراء دفاع الاتحاد الأوروبي في بروكسل، إن هذه الكمية لا تمثل سوى 52 بالمئة من الهدف المنشود.
وحدد بوريل هدفا جديدا يصل إلى ما يزيد على مليون قذيفة بنهاية عام 2024، في ظل وجود 630 ألف قذيفة قيد الإنتاج، وفقا لما ذكرته بيانات للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
أزمات بايدن وعرقلة الدعم
تسببت الخلافات الحزبية في قلب الولايات المتحدة بعرقلة تمرير تمويل أميركي إضافي لأوكرانيا على الرغم من مناشدات الرئيس جو بايدن المتكررة للكونغرس بالموافقة على التمويل.
وقدمت الولايات المتحدة مساعدات لأوكرانيا بعشرات مليارات الدولارات منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية قبل نحو عامين، لكن مشرعين جمهوريين يبدون ترددا متزايدا إزاء مواصلة هذا الدعم لكييف، معتبرين أنه يفتقر لهدف واضح مع استمرار القتال ضد القوات الروسية.
وفي أكتوبر الماضي، طلب بايدن من الكونغرس الموافقة على مساعدات إضافية بقيمة 61 مليار دولار لأوكرانيا.
لكن المحادثات متعثرة، إذ يشترط مشرعون جمهوريون مستاؤون من تدفق مهاجرين غير نظاميين إلى الولايات المتحدة من المكسيك، على إدارة بايدن إجراء تعديلات كبرى على مستوى ضبط الهجرة والحدود، للمصادقة على حزمة المساعدات لأوكرانيا.
ترامب و"اليوم الواحد"
ترامب قال مرارا إنه قادر على وضع حد للحرب التي تشّنها روسيا في يوم واحد إذا ما عاد إلى السلطة.
إلا أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نبه إلى أن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قد يكون لها "تأثير قوي" على الحرب في أوكرانيا.
وقال زيلينسكي: "إذا كانت سياسة الرئيس المقبل أيا كان مختلفة حيال أوكرانيا، أكثر فتورا أو أكثر اقتصادا، أعتقد أن هذه المؤشرات سيكون لها تأثير قوي جدا على مجريات الحرب".
ولفت إلى أن ترامب في حال فوزه سيتبنى "على الأرجح سياسة مختلفة، لأن لديه شخصية مختلفة" عن الرئيس الحالي جو بايدن.
مثال أوروبي
حث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، شركات الصناعات الدفاعية على تعزيز الإنتاج والابتكار في الوقت الذي تسعى فيه أوروبا جاهدة لزيادة إمدادات الأسلحة لدعم أوكرانيا.
ومنذ بدء الحرب في في فبراير 2022، دفع ماكرون الصناعة الدفاعية للتحول إلى "وضع الحرب".
وقال ماكرون في خطابه أمام القوات المسلحة الفرنسية بمناسبة العام الجديد "علينا تكثيف التحول الذي بدأناه" للاستجابة بسرعة أكبر لحاجات أوكرانيا في حربها ضد روسيا.
وتوصل القادة الأوروبيون إلى اتفاق بشأن مساعدة بقيمة 50 مليار يورو لأوكرانيا، وهو إعلان أشادت به كييف على الفور ووصفته بأنه "انتصار مشترك" على روسيا.
والمساعدة الأوروبية المخصصة لأوكرانيا (33 مليار كقروض و17 مليار هبات) واردة ضمن إضافة على ميزانية الاتحاد الأوروبي حتى العام 2027، وهي مساعدة تحتاج كييف إليها بشدة لدعم اقتصادها فيما أفرج الكونغرس الأميركي عن مساعدة.