رغم عدم تعرّض السفن الصينية لهجمات جماعة الحوثي المرتبطة بإيران في اليمن، فإن أزمة البحر الأحمر يبدو أنها قد تنعكس على علاقات بكين وطهران، إما بزيادة التقارب عبر التعاون في كبحها أو بالذهاب للتأزم حال استمرارها.
ويرصد محللون سياسيون تحركات الصين لاستغلال هجمات الحوثي لصالح بكين في صراعها مع واشنطن منذ البداية، ثم التحوّل إلى الضغط على إيران لوقف هذه الهجمات بعد أن طال أمدها لحماية اقتصاد الصين، وما إن كانت لدى الصين أدوات للتأثير على إيران في هذا الملف.
تطوّر موقف الصين من الهجمات
- في 21 ديسمبر 2023، صرّح متحدّث باسم وزارة الخارجية بأن “البحر الأحمر طريق تجاري دولي مهم للسلع والطاقة، كما أن الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة يخدم المصلحة المشتركة للمجتمع الدولي".
- 10 يناير، حثّت بكين مبعوثها لدى الأمم المتحدة، تشانغ جون، على الدعوة لوقف الهجمات.
- في خطاب ألقاه في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، أكد رئيس مجلس الدولة الصيني، لي تشيانغ، ضرورة الحفاظ على سلاسل التوريد العالمية "مستقرة وسلسة".
- 18 يناير، وعد محمد البخيتي، المتحدّث باسم الحوثيين، بتوفير مرور آمن للسفن الروسية والصينية، خلال حوار له مع صحيفة "إزفستيا" الروسية.
- 24 يناير، طلبت واشنطن من بكين حث طهران على كبح جماح الحوثيين.
- 26 يناير، صعّد مسؤولون صينيون لهجتهم؛ حيث قالت 4 مصادر إيرانية ودبلوماسية لوكالة "رويترز": "حذرتنا الصين: أنه إذا تضررت مصالحنا بأي شكلٍ من الأشكال، فإن ذلك سيؤثّر على أعمالنا مع طهران، لذا اطلبوا من الحوثيين ضبط النفس".
كيف تضرّرت الصين؟
لم تتعرض السفن الصينية لأي هجوم، إلا أن المصدرين الصينيين يواجهون زيادة في الأعباء بعد زيادة تكاليف النقل والتأمين.
- على سبيل المثال، ووفقا لتقديرات، زادت تكلفة شحن حاوية إلى أوروبا بأكثر من الضعف، لتصل إلى 7000 دولار، منذ بدء الهجمات.
- يمر عبر مضيق باب المندب 120 مليار دولار من الواردات الصينية، و160 مليار دولار من الصادرات سنويا، ونحو 60% من جميع الصادرات الصينية إلى أوروبا تمر عبر البحر الأحمر وقناة السويس، وفقا لمعهد الشرق الأوسط البحثي.
- علقت شركة الشحن الصينية العملاقة المملوكة للدولة "كوسكو" مرورها في البحر الأحمر.
- علاوة على ذلك، تضررت الموانئ وغيرها من مرافق البنية الأساسية في منطقة البحر الأحمر، التي استثمرت الصين في العديد منها.
- تعتمد الصين في إمدادات الطاقة على الوارد من الشرق الأوسط وإفريقيا ويمر عبر هذه المسارات البحرية.
موقف إيران
يشكّك المحلل السياسي الإيراني والمستشار الثقافي السابق لطهران في مصر، عبد الرضا بن علي، في أن الصين تمارس ضغطا على إيران لوقف هجمات الحوثي، لكن لم يستبعد، إن صح خبر الضغوط، أن ينعكس هذا على علاقات البلدين.
ورغم أن دعم غزة من مبادئ السياسة الخارجية الإيرانية، وفق تعبير بن علي، فإنه يقول إن إيران "ترعى مصالحها في ذات الوقت، ويمكن أن تلعب دورا جيدا في التهدئة بما يحافظ على هذه المصالح ودعم القضية الفلسطينية".
لكنه يضيف أن طهران "لديها تأثير على جماعة الحوثي، لكنها لا تملك السيطرة عليها".
مِن الصمت للضغط
الباحث في الشأن الإيراني، وجدان عبد الرحمن، من ناحيته، يرى أن الضغط الصيني جاء بعد إدراك بكين أن تجارتها "باتت مهدّدة، وهي التي تعتمد على النقل والتجارة البحرية".
ويلفت إلى أن الصين "التزمت الصمت إزاء هذه الهجمات في البداية؛ كجزء من الضغط على الدول الغربية، وللحصول على مكاسب سياسية واقتصادية، لكن مع طول أمد الأزمة وانعكاس الهجمات على الاقتصاد الصيني، تحرّكت بكين نحو طهران لتوقف الهجمات".
ويتوقّع عبد الرحمن أن يسفر هذا التدخل الصيني لدى إيران، إما عن تخفيف عمليات الحوثي، وإما نشوب أزمة بين بكين وطهران إن ظلت الهجمات كما هي.
عدم تفاؤل
لا يتفاءل خبير الأمن القومي والعلاقات الدولية، اللواء محمد عبد الواحد، بأن تُسفر جهود الصين مع إيران عن كبح هجمات الحوثي، قائلا "قد لا يحالفها الحظ"، واستند في ذلك إلى أن:
- الحوثي لديه استقلالية عن إيران.
- رغبة إيران من ناحيتها في استمرار أزمة البحر الأحمر، وهي التي تحرّكها.
- الصراع في البحر الأحمر له حسابات تختلف عن حسابات علاقات بكين وطهران، حسابات تتعلّق بمخاوف طهران من وجود رغبة أميركية وإسرائيلية لتصفية محور "إيران" في المنطقة.
نتيجة ما سبق، لا يستبعد الخبير الأمني أن ترسل الصين قوات عسكرية إلى البحر الأحمر، في حالة استمرار الهجمات.
حدود تحرّك الصين
- أرجعت دراسة لمعهد دراسات الأمن القومي INSS بجامعة تل أبيب، نُشرت في 10 يناير، بعنوان "الصين والحوثيون: أصوات الصمت"، عدم تحرّك الصين من البداية إلى الخوف من التورّط في صراعات الشرق الأوسط.
- سياسة بكين تهدف لكسب ثقة المجتمعات العربية والإسلامية؛ لذا تتّخذ موقفا لصالح الفلسطينيين، الذين يشنّ الحوثيون هجماتهم نيابةً عنهم ظاهريا.
- في نفس الوقت، تخشى الصين إن اتخذت موقفا ضد الحوثي، أن يُفسر هذا، حتى داخل الصين نفسها، على أنه قبول بالهيمنة الأميركية.
- تتمتّع الصين بقدرة محدودة على التدخل عسكريا وسياسيا وممارسة النفوذ على الحوثيين وإيران، وليست لديها ثقة كبيرة في قدرتها.
إلا أنه بجانب هذا التقدير، فهناك تقديرات أخرى حول التأثير الصيني؛ حيث استحوذت الصين على 90% من صادرات النفط الإيراني، وفقا لبيانات تتبع الناقلات من شركة التحليلات التجارية "كبلر" العام الماضي، كما لعبت الصين دورا في إعادة العلاقات السعودية-الإيرانية العام الماضي.
أداة ضد واشنطن
في تقدير المحلل السياسي الإيطالي، دانييلي روفينيتي، فإن الصين حتى الآن تستغل الأزمة في "إلقاء اللوم على الولايات المتحدة".
في نفس الوقت، فإنها "تشعر بالأمان إلى حد ما"، فيما يخص سلامة سفنها، بعد أن حصلت على تأكيد من الحوثيين بعدم مهاجمتها، وفق روفينيتي.