يشكل وضع المهاجرين غير النظاميين العاملين في مهن صعبة بندا شائكا في مشروع قانون الهجرة الجديد الذي تمت مناقشته في مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي، كما أنه محور اهتمام الجمعيات الفرنسية، التي تدافع عن مسألة تسوية أوضاع هؤلاء العمال.
وتقول مريم. ب، سودانية مقيمة بمدينة ليون الفرنسية: "أنا موجودة في فرنسا منذ 6 سنوات، أعمل في مجال التنظيف منذ أربع سنوات. لكن لا يمكنني أن أكون مهاجرة منتظمة. يطلب مني القانون 24 قسيمة دفع، لكن القانون نفسه ينص على أن المهاجر غير الشرعي ليس له الحق في العمل".
مريم، التي تبدأ ساعات عملها يوميا على الساعة الرابعة صباحا، ليست حالة معزولة في فرنسا، بل تشبه الآلاف من العمال غير الشرعيين الذين يزاولون مهنا صعبة بدون أوراق إقامة.
والأسوأ أنه من الصعب جدا تقييم عدد العمال غير المسجلين نظرا لعدم وجود بيانات رسمية حول هذا الموضوع.
وفي نوفمبر 2021، قدر وزير الداخلية، جيرالد دارمانان أنه يوجد في فرنسا ما بين 600 ألف إلى 700 ألف شخص في وضع غير قانوني، لكن دون تحديد نسبة العاملين من هؤلاء المهاجرين.
إلغاء المادة 3 ضربة قاضية
ولتحسين وضعيتهم، نصت النسخة الأولى من مشروع القانون على إنشاء تصريح إقامة لمدة عام واحد للموظفين في "القطاعات المتوترة". إلا أن أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي شددوا التدابير، فألغوا المساعدة الطبية الحكومية للمهاجرين غير الشرعيين وحذفوا أيضا المادة 3 التي نصت على إحداث بطاقة "العمل في مهن النقص".
وتنص هذه المادة على إمكانية العامل المطالبة بالتسوية شريطة أن يكون قد عمل لمدة اثني عشر شهرًا على الأقل خلال العامين الماضيين في "المهن والمناطق الجغرافية التي تتميز بصعوبات التوظيف". ويجب على مقدم الطلب أيضًا تقديم دليل على الإقامة المتواصلة لمدة 3 سنوات على الأقل في فرنسا حتى يتم إصدار تصريح إقامة "العامل المؤقت" أو "الموظف" لمدة عام واحد.
لكن، وفقا للعالمة الاجتماعية والأنثروبولوجية والباحثة ما بعد الدكتوراه في المركز الوطني للبحث العلمي في معهد "تقارب الهجرات"، إيميلين زوغبيديه، فإنه إذا كان اقتراح إنشاء "تصريح إقامة للمهن المتوترة" يهدف بالفعل إلى تسهيل تنظيم العمال غير المسجلين، "فسيظل السؤال حول اسم هذه المهن".
وتتابع في تصريحها لموقع "سكاي نيوز عربية": "بموجب مرسومين صادرين في يناير 2008، توجد حاليًا في فرنسا قائمتان للمهن التي لا يكون وضع التوظيف فيها قابلاً للتنفيذ. الأول يتعلق بـ150 مهنة منخفضة المهارات لمواطني الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي؛ والثانية عبارة عن قائمة تضم 30 مهنة ناقصة تم تحديدها حسب المنطقة الجغرافية للمواطنين من خارج الاتحاد الأوروبي، ولكنها لا تشمل الوظائف التي يشغلها معظم العمال الأجانب وخصوصا غير المسجلين منهم وغالبا ما تكون وظائف منخفضة المهارات".
وحتى عندما أكد وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانين أنه في حال تبني هذا الإجراء ستتم مراجعة قائمة هذه المهن وفقا للاحتياجات الاقتصادية. في الواقع، تقول، زوغبيديه: "قد لا تكون المهنة المتوترة كذلك في العام التالي".
ويبدو أن هذه المادة، لم ترق أعضاء مجلس الشيوخ الذين استبدلوها بنص يعتمد على أساس كل حالة على حدة، أي للتقدم بالتسوية، يجب أن يكون الأجنبي قد شغل وظيفة تحت الضغط لمدة 12 شهرا على الأقل خلال العامين الماضيين، مقارنة بـ8 أشهر في المادة 3 الأولية، وأن تكون إقامته في فرنسا لمدة ثلاث سنوات متتالية على الأقل.
ولكن هذا ليس كل شيء، لأن إصدار تصريح إقامة العامل المؤقت الممنوح لمدة سنة مشروط بالتحقق من قبل الولاة مع صاحب العمل من حقيقة هذا العمل. وسيتعين على المحافظ أيضا مراقبة "الاندماج الاجتماعي" للأجانب، أي "اندماجهم في المجتمع الفرنسي، وأنماط حياته وقيمه"، واحترامهم "للنظام العام" والتزامهم بـ"مبادئ الجمهورية".
وترى العالمة الاجتماعية والأنثروبولوجية أن "هذا التعديل الجديد قمعي لأقصى حد. فمن ناحية، يشكل إلغاء المساعدة الطبية الحكومية مصدر قلق كبير لأنها مسألة تتعلق بالصحة العامة ولكنها أيضًا حق من حقوق الإنسان الذي تكفله الاتفاقيات الدولية والدستور والقانون الفرنسيين. ومن ناحية أخرى، فإن حذف المادة 3 لتشديد إجراءات التسوية من خلال العمل تزيد من الإجراءات القمعية للغاية التي يتضمنها مشروع القانون ومن عنف النص".
كما اعتبرت أنه "من الخطير للغاية، والمخالف لقيم الجمهورية الفرنسية الاحتفاظ بطرح إثبات الاندماج في الحياة الاجتماعية والتمسك بقيم المجتمع الوطني ومراقبة أساليب الحياة".
"تعميم فالس كان أرحم"
إجراءات أدانها أيضا وبشدة أسامة أ.، الشاب التونسي الذي يبلغ 35 عاما، وصل إلى "إيل دو فرانس" عام 2017، ويشتغل منذ أكثر من 4 سنوات في مجال البناء ويعتبرها "تعيد سنوات إلى الوراء بدلا من المضي قدما"، بحسب تعبيره.
ويؤكد في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن كل ما يطلبه المهاجرون الذين يعملون بدون أوراق "يصب أولا وأخيرا في مصلحة فرنسا".
ويقول إن "المادة 3 تسمح لنا بالحصول على تصريح إقامة لمدة عام واحد للقيام بأعمال صعبة لا يرغب الفرنسيون في القيام بها. نحن نتعرض للاستغلال، رواتبنا هزيلة، مهددون بالطرد في أي وقت. لا يحق لنا الحصول حتى على إجازة مرضية مدفوعة. أظن أن "تعميم فالس" كان أرحم بكثير".
وبحسب "تعميم فالس" لعام 2012 الذي يعتبر جزءا من المنشورات غير الإلزامية -أي التي ليس لها طبيعة ملزمة وبالتالي ليس لها قوة القانون- فيسمح حاليا بطلب تصريح الإقامة للأجانب الذين هم في وضع غير نظامي والذين يعيشون في فرنسا لمدة خمس سنوات على الأقل، بشرط أن يكونوا قد عملوا ثمانية أشهر على الأقل خلال العامين الماضيين وأن يكون لديهم عقد عمل أو وعد بالعمل. وفي كل عام، يتم تنظيم ما بين 6000 إلى 10 آلاف شخص من خلال العمل بهذا التعميم.
بين سندان مصلحة الضرائب ومطرقة الداخلية
ومن جهة أخرى، تعتقد زوغبيديه أنه من المفارقة كذلك أن "العمال غير المسجلين يدفعون الضرائب والاشتراكات، لكنهم في وضع غير نظامي بالنسبة لوزارة الداخلية".
وتوضح، أنه "خلافا للاعتقاد السائد، ما أظهرته الإضرابات العمالية في الفترة 2008-2009 هو أن العديد من المهاجرين غير الشرعيين يعملون في وظائف مسجلة. وبالتالي، فإنهم، مثل أي عامل في فرنسا، يدفعون اشتراكات الضمان الاجتماعي ويساهمون في الضرائب. والمفارقة أنه لا يوجد قانون يضمن تنظيمهم رغم أننا نعلم أنهم يشاركون في النمو الاقتصادي".
ويبقى الأمل الوحيد، هو الجمعية العامة التي ستصوت على مواد هذا القانون الجديد في نهاية شهر ديسمبر المقبل، خصوصا أن هذه الإجراءات أدانها جزء من الأغلبية الرئاسية وكذلك المعارضة اليسارية والجمعيات، التي اعتبرت أنها ستغرق هذه الفئة من المهاجرين في وضع أكثر خطورة.