في أعقاب تمرد زعيم فاغنر يفغيني بريغوجين وعزمه دخول موسكو قبل شهرين، توقع رئيس وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) وليام بيرنز أن يأخذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "وقته في الانتقام"، وهي تلك السرديّة التي تتبناها حالياً الدوائر الغربية تعليقًا على حادث تحطّم طائرة خاصة في سماء روسيا، كان داخلها رجل الشركة الأمنية الخاصة القوي، وزمُرة من أبرز مساعديه.
تُشير السهام الغربية مباشرة إلى الرئيس بوتين، ونطق بذلك صراحة الرئيس الأميركي جو بايدن حين قال في معرض تعليقه على الحادث إنه "قلما تحصل أمور في روسيا بدون أن يكون بوتين وراءها".
ولم تتوقف الإشارة "الخفيّة" عند هذا النحو، بل ذهب إليها المتحدث باسم الحكومة الفرنسية أوليفييه فيران، حين اعتبرها "من حيث المبدأ حقيقة يمكن الإقرار بها".
وقال "فيران"، إن "ظروف تحطم طائرة بريغوجين تثير شكوكا منطقية".
احتواء الأزمة أولًا
في تحليل نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، قال الكاتب بيتر بومنت إنه بينما تظل تفاصيل ما جرى غامضة حتى الآن، فإن ما هو واضح أن فاغنر جرى احتواؤها أولاً ثم قطع رأسها بعد ذلك.
في يونيو الماضي، قاد بريغوجين تمردا على القيادة العسكرية ووزير الدفاع سيرغي شويغو، سيطر خلاله لفترة وجيزة على مواقع عسكرية في جنوب روسيا وسار على رأس قواته باتجاه موسكو قبل أن يوقف تحركه في غضون ساعات بعد وساطة بيلاروسيا.
عقب التمرد، جرى تقليص دور فاغنر البارز في العمليات العسكرية بأوكرانيا، في حين بدا ولو للحظة أن بريغوجين كان يحاول استعادة بعض النفوذ الذي اكتسبه من خلال عمليته في أفريقيا بناءً على طلب الكرملين.
سبق أن حذر بايدن من هذا السيناريو قبل نحو شهر، حيث قال في يوليو: "وحده الله يعلم ما الذي يمكنه فعله. لسنا متأكدين حتى من مكانه ومن الأشخاص الذين يتواصل معهم. لو كنت مكانه، لتوخيت الحذر ممّا آكل".
ظهر بريغوجين للمرة الأخيرة، في مقطع فيديو نشره على قناته في "تلغرام" مساء الإثنين، ملمحا فيه إلى أنه موجود في إفريقيا حيث يتمدّد نشاط المجموعة.
لم يُمهله القدر أكثر من ذلك، إذ كان بريغوجين على متن طائرته الخاصة من طراز "إمبراير" التي تحطمت مساء الأربعاء في مقاطعة تفير شمالي العاصمة الروسية موسكو، وقتل جميع من كان على متنها وعددهم 10 أشخاص، حسب الروايات الرسمية الروسية.
أعاد مقتل زعيم فاغنر، ظهور مقابلة سابقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2018، حين قال لمحاوره إنه يمكنه الصفح "لكن ليس عن كل شيء"، موضحا أن الشيء الذي لا يغفره هو الخيانة.
رغم كل ذلك؛ يلتزم الرئيس الروسي الصمت حتى الآن بشأن ظروف تحطم الطائرة ومقتل بريغوجين، في حين فتحت السلطات تحقيقًا جنائياً لمعرفة الملابسات.
الأنظار تتجه لـ"بوتين"
من جانبها، تُلخص الخبيرة الأميركية المتخصصة في الشؤون الدولية، إيرينا تسوكرمان، في تصريحات خاصة لـ"سكاي نيوز عربية"، الرؤية الغربية لواقعة تحطم طائرة زعيم فاغنر في عدد من النقاط، قائلة:
- حتى الآن، تشير جميع الدلائل إلى اتجاه بوتين للتخلص من شريك خدم هدفه بشكل جيد، لكنه تجاوز دوره.
- إذا كان بوتين بالفعل وراء الحادث ومسؤولا عن وفاة بريغوجين، فإنه يؤكد تفسير الأحداث بأن "تمرد فاغنر" كان على الأرجح عملا لسحب القوات من أوكرانيا ونقلها إلى مكان آخر والإعلان عن الاندماج الرسمي للقوات العسكرية الخاصة تحت سيطرة الكرملين، وبالتالي تعزيز يد بوتين بعد عدم النجاح في حسم الحرب بأوكرانيا حتى الآن.
- كان بريغوجين، باعتباره الرجل الأول في العديد من العمليات المرتبطة بأجهزة الأمن الروسية، أكثر قيمة كآلية دعائية.
- ترى الدوائر الغربية أنه من السابق لأوانه الاحتفال أو القلق من رحيل بريغوجين، إذ تشير تصرفاته الغريبة الأخيرة مع التنكر الذي استخدمه، إلى أنه على استعداد للذهاب إلى أي طريق للحفاظ على الدعاية، أو قد يستمر في الانخراط في عمليات تحويل وتحركات غير متوقعة لإبقاء الرأي العام الدولي موجه نحوه وينتظره.
- بالنظر إلى أنه قبل يومين فقط، كان بريغوجين يقدم دليلا على وجوده في أفريقيا، يبدو أن فاغنر، كذراع للسياسة الخارجية لروسيا، لا تزال نشطة وتواصل اتجاهها في غرب إفريقيا لبسط نفوذ موسكو، كما هو مخطط لها مع أو بدون بريغوجين.