من جديد، تشهد عدة قطاعات حيوية بفرنسا، الخميس، حالة من الشلل التام، للمرة الخامسة على التوالي، إثر تصعيد الاحتجاجات من جانب النقابات العمالية على مشروع قانون رفع سن التقاعد الذي يناقشه البرلمان، وتصر الحكومة على إخراجه للنور.
خرج عشرات الآلاف إلى الشوارع منددين باستمرار مناقشة مشروع القانون المثير لغضبهم، بينما وصفه المراقبون بأنه "خميس أسود" جديد، في البلاد، امتدادا لما وصف بـ"الثلاثاء الأسود"، وغيرها من أيام شهدت احتجاجات وإضرابات واسعة ضد نفس المشروع.
وتشهد باريس حالة من التأهب الأمني خشية وقوع أعمال شغب أثناء التظاهرات الغاضبة، بينما تنشر قوات الأمن نحو 4500 جندي فرنسي بالعاصمة وحدها.
وتم توقيف 10 أشخاص في باريس، وفق الشرطة، كما تم نقل دركي إلى المستشفى لتلقي العلاج بعد تعرضه لإصابة في العين جراء رشق مقذوفات، حسب "فرانس برس".
لن يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالنقابات العمالية تدعو إلى إضراب عام، قابل للتمديد، بدءا من الثلاثاء 7 مارس المقبل، في إجراء تصعيدي ضد الحكومة التي ما زالت تصر على مشروع القانون.
رأي الحكومة
من جانبها، أكدت رئيسة الحكومة إليزابيث بورن، في دفاعها عن القانون، أنه "سيحقق تقدما اجتماعيا" لا سيما عبر رفع المعاشات الصغيرة.
وبرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في وقت سابق مشروع القانون بأمور تتعلق بالاقتصاد في الميزانية، قائلا إن على الفرنسيين "أن يعملوا أكثر".
مع ذلك، قدمت الحكومة تنازلات بأن قررت تعديل مقترح رفع سن التقاعد من 62 عاما إلى 63، بدلا من مقترحها الأول بأن يكون 64 عاما، لكن تلك الخطوة لم تنجح في احتواء الشارع.
دعت النقابات العمالية في بيان مشترك الإثنين الماضي، فروع الاتحاد العام للعمل لعمال الموانئ والأرصفة والسكك الحديدية والصناعات الكيماوية والزجاج والسيراميك ومناجم الطاقة، إلى التوقف عن العمل لمدة 24 ساعة في يوم الإضراب والتعبئة بين المهنيين اليوم الخميس.
كما هددت بإجراءات أخرى تصعيدية، مؤكدة أنها لا تزال تبحث في الظروف الممكنة لأي تصعيد، لا سيّما من خلال الإضراب القابل للتمديد.
فوضى مرتقبة
ويخشى مراقبون أن يؤدي التصعيد الكبير من جانب النقابات الغاضبة على مشروع التقاعد إلى فوضى في الشارع، خاصة في ضوء التهديدات المتبادلة من جانب الحكومة والمحتجين.
توقع المحلل السياسي نزار الجليدي، رئيس تحرير "صوت الضفتين" بباريس، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية" أن تتسع رقعة الغضب في فرنسا للحد الذي يصل إلى مستوى "الحرب الاجتماعية"، في إشارة إلى احتمال تكرار الانتفاضة الشعبية في عام 1968.
انتفاضة 1968 شملت احتجاجات وإضرابات واسعة ضد السياسات الاقتصادية والرأسمالية، وكادت أن تتحول لثورة، ولم تتوقف سوى بإجراء انتخابات وتعديلات في الأجور وبعض السياسات.
يرى الجليدي أن حالة الغضب في الشارع تبدو وقد اتخذت منحى تصعيديا جديدا في ضوء التهديدات الأمنية بحالة الفوضى المتوقعة داخل البلاد، خاصة مع الدعوة إلى إضراب شامل بدءا من يوم 7 مارس.
سبق أن أصيبت قطاعات عمل حيوية، مثل النقل العمومي والكهرباء والمدارس والمصافي النفطية ووسائل الإعلام، بالشلل التام في الإضراب الذي تم تنفيذه نهاية يناير، وخرج خلاله مئات الآلاف في مسيرات، حتى وصف بـ"الثلاثاء الأسود".