يبدو أن العادات الغذائية في أوروبا ستتغير بشكل كبير خلال السنوات المقبلة، وذلك بعد أن أعطت المفوضية الأوروبية، قبل أيام قليلة، الضوء الأخضر لتربية وتسويق واستخدام الحشرات في أطباق الأوروبيين.
ويتعلق الأمر بدمج مسحوق صرصور الحقل أو ما يعرف بالكريكيت ومسحوق دودة الوجبة أو يرقة الخنفساء في الوجبات.
وأثار هذا القانون الذي تم اعتماده من قبل الاتحاد الأوروبي في 24 يناير 2023 ضجة على شبكات التواصل الاجتماعي، إذ حتى وقت قريب، كان استهلاك وتسويق الحشرات الصالحة للأكل يخضع للوائح أوروبية صارمة للغاية.
فرغم أن الاستهلاك البشري للحشرات ليس ظاهرة جديدة على الأرض، إلا أنه ليس أمرا رائجا في أوروبا.
وقد اشترط القانون أن يظهر مؤشر في قائمة المكونات على عبوة المنتج، يشير إلى احتوائه على مسحوق الديدان والصراصير بقصد تنبيه المستهلكين، خصوصا الذين يتبعون نظاما غذائيا بدون بروتين حيواني أو لديهم حساسية من الحشرات الصغيرة.
واستهلاكها لن يتم بشكل عشوائي، لأن بروكسل حددت الجرعات القصوى وشكل استخدام هذا المكون الجديد، فنظرا لاشمئزاز الأوروبيين من الحشرات، سيتم بيعها على شكل مساحيق يتم إدخالها في دقيق البسكويت أو المعكرونة على سبيل المثال، بقياس حوالي 3 غرام من مسحوق الكريكيت لكل 100 غرام من الحبوب و1.5 غرام كحد أقصى في البسكويت.
الحشرات مصدر بروتينات
وترجع أسباب هذا الاهتمام المتزايد بالحشرات الصالحة للأكل وفقا لتحليل الباحث في المركز الوطني للبحث العلمي في الفيزياء الحيوية الجزيئية والأغذية، كريستوف لافيل، إلى "قيمتها الغذائية الكبيرة".
ويوضح لموقع "سكاي نيوز عربية" أن "هذا النوع من الحشرات يحتوي على نسبة عالية من البروتين قد تكون مطابقة أو أعلى من تلك الموجودة في المصادر التقليدية، كما أنها غنية بالأوميغا 3 والأوميغا 6، والألياف والمعادن والفيتامينات "أ" و "ب".
ويرى أنه "من غير المعقول تجاوز كل هذه المزايا الغذائية، فقط لأن تناول الحشرات ليس في قلب عادات الأكل في المطبخ الأوروبي، فكما حافظنا على تناول القمرون والمحار يمكننا تناول هذا النوع أيضا".
ويستغرب في المقابل هذه الموجة الجديدة ضد تناول الحشرات، لأنه سبق وسمحت أوروبا منذ يناير 2021 ، بإدخال يرقات الخنفساء وخنافس الجاموس في الطعام الأوروبي.
إنتاج الحشرات غير مكلف
ومنذ عام 2021، بدأت شركات أوروبية تتجه إلى تربية الحشرات بغرض الاستهلاك البشري في مواقع إنتاج مختلفة في القارة، من بينها شركة "إنسيكت" الفرنسية، ومقرها باريس.
وفي تصريحه لموقع "سكاي نيوز عربية"، أكد مؤسس ومدير الشركة، والمهندس الزراعي أنطوان هوبير أن الحشرات إلى جانب فوائدها الغذائية فهي "تمثل حلاً لإطعام عدد متزايد باستمرار من السكان".
ويتابع: "نحن نعلم أن الموارد الغذائية التقليدية لن تكون قادرة على مواكبة هذا النمو وأن إنتاجها له آثار مدمرة على البيئة، لذا حان الوقت للبدء في البحث بجدية عن بدائل للبروتينات الحيوانية، سيؤدي النمو السكاني إلى مزيد من التوترات في قطاع إنتاج الغذاء وأسعار اللحوم في ارتفاع مستمر".
لهذا يقول إن "تكاثر الحشرات من أجل الغذاء من شأنه أن يقلل بشكل كبير من هذا الضغط، كما يحميها من الانقراض".
وفي شق آخر، يعتبر أن "إنتاج الحشرات صديق للبيئة، فهي تقلل من انبعاث غازات الاحتباس الحراري ولا تحتاج لموارد طاقية كبيرة خلال عملية التحويل والإنتاج مقارنة بالمواشي والدواجن".
ويضيف، أن بداية المبيعات كانت موجهة بشكل أساسي للرياضيين بسبب غناها بالبروتين أو كبار السن الذين يجدون صعوبة في إطعام أنفسهم.
تناول الحشرات من العادات القديمة
وفي حين تبدو هذه الخطوة جديدة في أوروبا، تستهلك الحشرات بشكل عادي ومعتاد في بعض الأماكن في العالم.
إذ وفقا لوكالة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، من الشائع أكل الحشرات بشكل يومي في الوقت الحاضر في أكثر من 90 دولة في العالم.
وتتصدر الدول الآسيوية هذه اللائحة، إذ تعد تايلاند أكبر مستهلك للحشرات النيئة أو المطبوخة في العالم إلى جانب اليابان والصين.
ووفقا للدراسات التي قدمها الأستاذ الهولندي في علم الحشرات في جامعة فاغينينغين الأوروبيين، مارسيل ديك: "الأوروبيون أيضا يتناولون سنويا كميات لابأس بها من الحشرات، لكن دون علمهم.
وتشير تقديراته إلى أن كل شخص مثلا يأكل ما معدله 500 غرام من الحشرات سنويا في فرنسا بسبب تلوث بعض الفواكه والخضروات المستخدمة في الصناعة، لينتهي الأمر بالحشرات في أواني المربى أو قطع عصير الفاكهة أو حساء الخضار أو الأطعمة المعلبة أو حتى في السلطات".