اتسعت رقعة الأنشطة الإرهابية في دول غرب افريقيا بشكل غير مسبوق خلال الفترة الأخيرة، مما أدى إلى مقتل أكثر من 100 شخص منذ بداية 2023، وتشريد عشرات الآلاف من مناطقهم الأصلية خصوصا في مالي بوركينا فاسو ونيجيريا، مستخدمة تكتيكات وتحالفات جديدة.
وتشكل الهجمات الإرهابية عبئا أمنيا وماليا كبيرا على البلدان الأفريقية الغارقة في عدد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية الكبيرة، الناجمة عن التغير المناخي والتدهور الاقتصادي المربع، إضافة إلى معاناة أكثر من 30 في المئة من السكان من انعدام الأمن الغذائي الذي تفاقم بفعل الحرب في أوكرانيا.
وفقا لتقديرات مؤشر الإرهاب للعام 2022، الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام، فقد فشلت حتى الآن الاستجابات الدولية والإقليمية للعنف في وقف الزيادة المتواصلة في مستويات الإرهاب، وذلك بسبب النمو السكاني العالي في المنطقة، والزيادات الكبيرة في معدلات انعدام الأمن الغذائي والنزوح بسبب عوامل التغير المناخي والنزاعات الأهلية.
ضحايا بالجملة
تصدرت بوركينا فاسو ومالي والنيجر قائمة بلدان المنطقة من حيث عدد ضحايا الإرهاب، إذ سقط في البلدان الثلاثة مجتمعة نحو الفين شخص خلال 2022. أما في نيجيريا وبعد انخفاض بلغ 51 في المئة في عدد ضحايا الإرهاب في أعقاب مقتل زعيم جماعة بوكو حرام أبو بكر الشكوي في يونيو 2021، عادت المعدلات للارتفاع مجددا في 2022 وخلال الأسابيع الأولى من 2023.
ويتركز النشاط الإرهابي بشكل أساسي في حوض بحيرة تشاد الذي يضم أجزاء من الكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا ومنطقة الساحل الوسطى على طول حدود بوركينا فاسو ومالي والنيجر. الدول الساحلية؛ مع حدوث بعض الأنشطة في بنين وتوغو.
وتغيرت طبيعة وتكتيكات الجماعات الإرهابية في المنطقة بشكل كبير، فبعد أن كانت تأخذ في بدايتها طابعا تكفبريا محدودا، بدات تتوسع بشكل لافت خلال عامي 2021 و2022 حيث ولدت مجموعات جديدة؛ واندمجت أخرى مع بعضها البعض بما في ذلك مجموعات تضم لصوصا وقطاع طرق توكل لهم مهمة زيادة الدعم المالي.
عودة ملحوظة
بعد هدوء استمر بضعة أشهر عادت الهجمات الإرهابية أكثر اتساعا في مناطق مختلفة من بوركينا فاسو ومالي ومنطقة حوض بحيرة تشاد ووسط الساحل التي ظلت منذ العام 2009 تشكل مركزا للإرهاب والتطرف العنيف الذي تقوده جماعة بوكو حرام التي أصبحت مؤخرا جزءا من جماعتين إرهابيتين كبيرتين هما القاعدة وداعش بعد أن كانت جماعة محلية تركز أنشطتها داخل نيجيريا.
كما شهدت الدول المطلة على خليج غينيا زيادة في الهجمات الموجهة ضد أراضيها بما يهدد خطوط المواصلات والتنقل الحيوية إلى البلدان غير المطلة على السواحل في الشمال.
وفي حين تشن الجماعات الإرهابية هجمات منسقة في بعض الأحيان، فإنها غالبا ما تتقاتل فيما بينها من أجل السيطرة على الموارد، الأمر الذي يدفع الدول إلى الهامش ويسبب بؤسًا لا يوصف للملايين الذين يفرون إلى أماكن أخرى بحثا عن الأمان.
وقالت جيوفاني بيها نائبة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لغرب أفريقيا ومنطقة الساحل، في إحاطة قدمتها لمجلس الأمن الدولي مؤخرا، إن التدهور الأمني عاد بوضوح على الرغم من جهود قوات الأمن الوطنية والشركاء الدوليين.
وفي ظل الانسحابات الدولية المتتالية من عدد من بلدان المنطفة، تتزايد المخاوف من تفاقم الأزمة الأمنية. وفي أعقاب خروج القوات الفرنسية ووقف التدريبات الأوروبية في نهاية 2022، وتلميح الأمم المتحدة بسحب القوات الدولية البالغ قوامها نحو 12 الف من مالي، أمهلت بوركينا فاسو القوات الفرنسية شهرا ينتهي في منتصف فبراير 2023 للخروج من اراضيها.
أبرز الجماعات المتشددة
● بوكو حرام: تأسست في شمال نيجيريا في العام 2003، وتعرف نفسها بأنها جماعة من أهل السنة للدعوة والجهاد. وبوكو حرام هي تسمية مشتقة من لغة الهوسا المنتشرة بشكل واسع في شمال نيجيريا وعدد من بلدان غرب افريقيا، وتعني "التعاليم الغربية حرام". وبعد مقتل زعيمها ابوبكر الشكوي في 2021، انقسمت الجماعة مما أدى إلى ظهور فصيل معاد يتبع لتنظيم القاعدة ويُعرف باسم "القاعدة ولاية غرب إفريقيا".
.● جماعة الثخراوي: تشكلت في 2014 كجماعة جهادية بزعامة عبد المجيد الصحراوي وأعلنت ولائها لتنظبم داعش في بلاد الشام. وبدأ التنظيم نشاطه بشن عمليات انتحارية ضد الحركة الوطنية لتحرير أزواد في شمال مالي؛ ومن ثم وسع عملياته لتشمل عدد من المناطق في بوركينا فاسو و النيجر. وبعد دخول القوات الدولية واشتداد الضغط العسكري عليه؛ لجأت المجموعة إلى الاستعانة بمقاتلين من مجموعات متشددة اخرى مثل بوكو حرام وغيرها.
● جماعة "نصرة الإسلام": تكونت في مالي في العام 2017 وضمت تحالفا من عدد من الجهاديين الذين ينتمون لتنظيمات وحركات مسلحة مختلفة أعلنوا تجمعهم واندماجهم في هيكل واحد؛ ومبايعتهم لايمن الظواهري؛ زعبم تنظبم القاعدة آنذاك.
وكانت الحركات المسلحة التي شكلت أساس التنظيم مقربة من بعضها البعض من قبل اندماجها. وتقول الجماعة التي تنشط في مالي والنيجر ودول مجاورة أخرى إنها تريد أن تكون قوة مهيمنة أمام التأثير المتزايد لتنظيم داعش في المنطقة.
أرقام صادمة
● زاد عدد الهجمات الإرهابية المنفذة في المنطقة بمعدل 55 في المئة؛ وظل في نسق تصاعدي ملحوظ منذ عملية فندق راديسون بلو في باماكو في نوفمبر 2015 والتي نفذتها مجموعة تابعة لتنظيم القاعدة وراح ضحيتها 27 شخصا.
● ارتفعت حصة المنطقة من مجمل وفيات في العالم الناجمة عن عمليات إرهابية من 1 في المئة في 2007 إلى 35 في المئة.
● تسببت الهجمات الإرهابية المتواصلة في عدد من بلدان المنطقة في إغلاق نحو 18 ألف منشأة صحية وتعليمية خلال الفترة الأخيرة.
ماذا يقول الخبراء
يشير عبد القادر سيفا المتخصص في شئون الجماعات الإسلامية من معهد العلوم الدينية في الجامعة الإسلامية بالنيجر؛ إلى أن معظم المجموعات الجهادية كانت تستهدف في البداية عناصر الجيش والأمن في البلدان في البلدان التي تنشط فيها، لكن سرعان ما يتحول التكتيك إلى شن عمليات ضد المدنيين أو ضد جماعات منافسة.
ويوضح سيفا في حديث لموقع سكاي نيوز عربية " "درجت العديد من الجماعات الإرهابية على شن هجمات منظمة ضد المدنيين في مدن وقرى متفرقة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو ونيجيريا مما أدى إلى سقوط المئات من الأطفال والنساء؛ كما تدخل بعض التنظيمات أيضا في قتال مستمر مع مجموعات إرهابية اخرى لاسباب إيديولوجية أو بهدف السيطرة والنفوذ على نطاق محدد">
يرى إيرو أغيدو، استاذ العلوم السياسية في جامعة بنين النيجيرية أن سبب نمو انشطة الجماعات الجهادية في المنطقة يعود بشكل أساسي إلى عدم وجود استراتيجيات فاعلة لمكافحة الإرهاب.
ويشدد أغيدو على ضرورة توفير الأطر التي تزود القوات الأمنية بأحدث المعلومات الاستخباراتية التي تحدد طبيعة الجماعات الإرهابية ومصادر تسليحها وتمويلها.
يوضح الناشط الحقوقي و السياسي المالي حمزة ديارا أن ازدياد نشاط الجماعات الإرهابية يعود إلى الضعف الأمني في عدد من بلدان غرب أفريقيا وسهولة الحصول على الأسلحة والتجهيزات القتالية. ويقول ديارا لموقع سكاي نيوز عربية إن الفقر التذمر حيال الأوضاع السياسية والاقتصادية يساعد تلك المجموعات على التجنيد في بعض الأحيان.