تحمل التطورات المتلاحقة على جبهات القتال المشتعلة فوق الأراضي الأوكرانية، منذ 24 فبراير الماضي، الكثير من سمات الكر والفر، لا سيما بعدما احتدام الجدل الأخير، حول ما إذا كان الروس أم الأوكرانيون، أو كلاهما معا، يتحملون مسؤولية إطلاق الصاروخ الأخير على الأراضي البولندية.
ويخضع هذا الجدل المتواصل، في الأساس، لمزاجية المواقف السياسية المتراوحة، صعودا وهبوطا، على بارومتر قياس مستوى العلاقات الأميركية الروسية، ليشي في نهاية المطاف بأن ثمة حبكة استخباراتية أوكرانية مقصودة تمّت حياكتها، قبل قرابة الأسبوعين، لجرّ حلف شمالي الأطلسي صوب الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا.
ماذا عن "ساوث ستريم"؟
ووفقا لوجهات نظر العديد من الخبراء المتخصصين في رصد ومتابعة أهمية البحر الأسود في حسابات الجانبين، ينبغي التوقف عند النقاط التالية:
- إعلان المفكر الروسي أليكسندر دوغين، عام 2015، عن رؤيته حيال تحويل البحر الأسود إلى "بحيرة أوراسية".
- قيام المقاتلات التركية بإسقاط قاذفة الـ"سوخوي" الروسية عند تخوم الحدود السورية في أواخر العام نفسه.
- إشارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أثناء زيارته في العام التالي لجبل آثوس المقدس في اليونان، بمناسبة مرور ألف عام على وصول أول بعثة كنسية أرثوذكسية روسية إلى هناك، حول نية بلاده بشأن عدم وضع مشروع "السيل التركي" على الرف.
- تلقّي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تلك الإشارة بترحيب مما أفسح المجال أمام تسوية أزمة إسقاط الـ"سوخوي" واستئناف العلاقات الطبيعية بين موسكو وأنقرة.
- إقدام بلغاريا، المنضوية تحت لواء الناتو، على الانسحاب من اتفاقية استقبال الغاز الروسي، عبْر "ساوث ستريم"، ليُستبدل ذلك الخط، لاحقًا، بـ"تُرك ستريم".
ماذا عن عملية اليوم؟
بحسب جهاز الأمن الفيديرالي الروسي، تم إحباط هجوم إرهابي، الخميس، على خط أنابيب غاز "السيل الجنوبي"، الذي يمد تركيا وأوروبا بالطاقة.
وجاء في بيان الجهاز:
- نتيجة لمجموعة من الإجراءات العملياتية تمت الحيلولة دون تنفيذ محاولة من قبل الاستخبارات الأوكرانية لارتكاب عمل تخريبي وإرهابي على خط أنابيب الغاز ساوث ستريم (السيل الجنوبي)، والذي يتم من خلاله إمداد تركيا وأوروبا بالطاقة.
- تم اعتقال مواطنين روس "ضالعين في التحضير وتنفيذ الهجوم الإرهابي".
- صودرت 4 ألغام مغناطيسية، و4 كيلوغرامات من البلاستيك، و593 ألف روبل، ووسائل اتصال تحتوي على مراسلات مع الجهات الخاصة بأوكرانيا، وتعليمات لتجميع وتركيب عبوة ناسفة، وكذلك نقل الأموال وإحداثيات المكان الذي يخطط لتنفيذ الانفجار فيه وذلك بمنطقة فولغوغراد.
ويذكر في هذا السياق أن السلطات الروسية كانت قد اتهمت بريطانيا، مطلع الشهر الجاري، بالضلوع في الانفجارات التي تسببت في تسربات، في سبتمبر، من خطي أنابيب الغاز نورد ستريم 1 و2 في بحر البلطيق اللذين بُنيا لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا.
وكتبت وزارة الدفاع الروسية، وقتذاك، على تلغرام: "شارك ممثلون من وحدة تابعة للبحرية البريطانية في التخطيط والإمداد وتنفيذ العمل الإرهابي في بحر البلطيق في 26 سبتمبر لتخريب عمل خطي أنابيب الغاز نورد ستريم 1 و2.
ويرى الخبراء المتخصصون في الشؤون الروسية، ومن بينهم مؤرخ أميركي يعيش في بلغاريا، أن حادثة تفجير جسر القرم الذي يربط شبه الجزيرة مع البر الروسي، في 18 أكتوبر الفائت، توحي بوجود "حبكة استخباراتية أوكرانية" تستمد عناصر قوّتها من حبكات استخباراتية خارجية يتم إعدادها، بعناية فائقة، في أوساط بعض الدول المنضوية تحت لواء حلف الناتو، سعيا إلى التلويح بالرغبة في خوض مغامرة عسكرية مباشرة مع روسيا.
وذكّر المؤرخ الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، لاعتبارات قانونية، في اتصال هاتفي مع موقع "سكاي نيوز عربية"، بأن "ركائز المغامرة بُنيت منذ افتتاح الجسر، عام 2018، على خلفية دعوة الكاتب الأميركي توم روغان بخصوص وجوب العمل على تدميره، في سياق مقال نشره في صحيفة "واشنطن إيكسمينير" بتاريخ 15 مايو من ذلك العام، مما أدى إيجاد بيئة حاضنة لتلك الفكرة في أوساط الأوكرانيين".