يشهد الاتحاد الأوروبي حالة حادة من الانقسامات بين دول التكتل الـ27، تعود إلى مجموعة من الأسباب، أبرزها حالة الخلاف المحتدم حول السياسات الدفاعية لدول الاتحاد، والتي عززتها الأزمة الأوكرانية إلى حد كبير، وثانيا استمرار الخلافات بين دول البحر المتوسط بشأن عمليات التنقيب عن الغاز، خاصة في ضوء تفاقم الأزمات الأوروبية المتعلقة بنقص موارد الطاقة.
خلال الأسبوع الماضي، عقد مسؤولون داخل الاتحاد الأوروبي اجتماعات متواصلة لمناقشة القضايا الخلافية، عكست نتائجها احتدام حالة الخلاف بين الدول الأعضاء، بشأن الاقتراح الخاص بتحديد سعر أقصى للصفقات اليومية التي تجري في سوق الغاز فيما يعرف بآلية "TTF".
الخلاف الذي عبر عنه وزير الطاقة التشيكي جوزيف سيكيلا، في ختام اجتماع لوزراء الطاقة في لوكسمبورغ قائلا: "هنا، كما يمكنك أن تتخيل، لدينا وجهات نظر مختلفة إلى حد ما حول آلية (TTF)".
يتوقع مراقبون بأن تزيد حدة الانقسامات بين الدول الأعضاء في الاتحاد خلال الفترة المقبلة، بينما يواجه التكتل السياسي والأمني للاتحاد الأوروبي صعوبات بالغة في أن يبقى متماسكا لفترة طويلة في ضوء تلك الخلافات، فيما تشير التوقعات إلى احتمالية مغادرة دول أخرى للاتحاد رغم توقيع اتفاقية للدفاع المشترك بحلول عام 2030، بهدف مواجهة التحديات العسكرية التي تقابلها دول الاتحاد بعد الأزمة الأوكرانية.
شرق المتوسط نقطة خلاف محتدم
في السياق، يقول رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، جاسم محمد، لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن منطقة شرق المتوسط لا تزال بؤرة للنزاعات بسبب حقوق التنقيب عن النفط والغاز في الأجزاء المتنازع عليها في بحر إيجه والبحر الأبيض المتوسط، وبات من المحتمل أن تتسبب النزاعات بين الدول حول المناطق البحرية في حرب شاملة قد تندلع في أي لحظة.
يقول محمد إن "منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط تواجه مرحلة انتقالية من المشهد الجيوسياسي، حيث ترى أنقرة أن اليونان تتعمد توتير العلاقات معها، واشتكت أنقرة من تحرش الأنظمة الدفاعية اليونانية بمقاتلات "F-16" من أسطولها الجوي خلال مهمة لحلف الناتو فوق المتوسط.
ويضيف: "اتهمت اليونان تركيا أنها تتحدى سيادتها على الجزر التابعة لها، وأنها تستغل قضية الهجرة وتدلي بتصريحات "استفزازية" بعد نشر تركيا خريطة تحدد منطقة مسؤوليتها عن عمليات البحث والتنقيب في وسط بحر إيجه".
التمويل العسكري
يعتمد حلف شمال الأطلسي "الناتو" على مساهمات الدول الأعضاء المالية والمعدات، ودائما ما تطالب واشنطن الدول الأعضاء خاصة الأوروبيين بزيادة إنفاقها العسكري إلى (2%) من إجمالي ناتجها المحلي.
حسب محمد، حاول الاتحاد الأوروبي بناء قوة دفاع مشتركة وتجميع موارده الاستراتيجية، لكن وجهات النظر الأوروبية متباينة حول قوة دفاع مشتركة وجيش أوروبي موحد، فهناك وجهة نظر ترى أن ذلك لا يتعارض بأي حال من الأحوال مع التزام أوروبا تجاه ناتو الذي يظل في قلب دفاع أوروبا الإقليمي.
من جهة أخرى، تعد فكرة إنشاء قوات أوروبية مشتركة مُعقّدة ومكلّفة بالإضافة إلى أن الدول الأوروبية تمتلك بالفعل تحالفا عسكريا، وهو حلف "الناتو"، الأمر الذي لا يحتاج إلى قوة مشتركة أو جيش أوروبي موحد لمواجهة التهديدات المشتركة.
أوكرانيا استنفدت طاقة الاتحاد
ينوه إلى أن الخلافات والانقسامات بين الدول الأعضاء داخل الاتحاد الأوروبي سببها شكوك جدية حيال قدرة الأوروبيين على التوصل إلى توافق حول "درع الفضاء الأوروبي"، إذ إنه يتطلب أغلبية من الدول الأعضاء لكي يتم تفعيله.
ويضيف: "أرسلت العديد من دول الاتحاد الأسلحة والمعدات إلى أوكرانيا، مما أدى إلى استنفاد الذخائر والأسلحة، وبات من المتوقع أن يتغير الوضع الأمني في أوروبا بشكل جذري، وأن يزيد الإنفاق العسكري الأوروبي لمعالجة أوجه من القصور في القدرات الدفاعية والنقص في الأسلحة والذخيرة كذلك العوائق لوجستية".
لتجنب سيناريوهات الانقسام والحرب، يرى محمد أنه يتوجب العودة إلى الاتفاقيات الدولية عندما يتعلق الأمر بشرق المتوسط، بالتوازي مع تعزيز الخيار السياسي-الدبلوماسي بالجلوس على طاولة المفاوضات، لتجنب إشعال فتيل التوتر في شرق المتوسط والذي ينعكس على أمن واستقرار المنطقة والأمن الدولي.
كما تحتاج بعض دول أوروبا إلى تعزيز قدراتها العسكرية والأمنية للنهوض بمسؤولية الأمن والدفاع، أكثر من الاعتماد على مظلة حماية حلف شمال الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة.
زتبقى القوة العسكرية أيضا رافعة وداعمة للقرار السياسي الأوروبي على مستوى القارة وعلى مستوى التكتل في مجمل الصراعات والنزاعات الدولية.