اعتبر مراقبون انقلاب إبراهيم تراوري على بول هنري دواميبا، والهجوم على المؤسسات الفرنسية في واغادوغو، ورفع الأعلام الروسية في تظاهرات البوركينيين بالتزامن مع انقلاب قائد فوج المدفعية، مؤشرا على انضمام بوركينا فاسو لدائرة النفوذ الروسي بعد إفريقيا الوسطى ومالي.
ووقع العقيد بول هنري دواميبا، الأحد، استقالة مكتوبة من رئاسة بوركينا فاسو، بعد يومين من إعلان ضباط الإطاحة به وتعيين النقيب إبراهيم تراوري رئيسا بدلا منه.
ولكن العقيد داميبا الذي يحكم بوركينا فاسو منذ يناير الماضي، قدم جملة من 7 شروط يجب تلبيتها حتى يوقع الاستقالة، ووافق عليها تراوري، بموجب وساطة قامت بها شخصيات دينية لتجنب البلاد الدخول في دوامة من العنف لا تنتهي، وتتسبب بانشقاقات بين القوات المسلحة.
وتعرض المركز الثقافي الفرنسي في واغادوغو، للاعتداء من قبل متظاهرين، تجمهروا أيضا أمام السفارة الفرنسية في العاصمة البوركنية.
وجاء هذا التحرك من جانب المتظاهرين عقب خطاب متلفز لقائد الانقلاب، اتهم فيه العقيد دواميبا، باللجوء إلى قاعدة عسكرية فرنسية، وهو ما نفته سفارة باريس في واغادوغو.
واعتبر الباحث البوركيني عثمان ويدراوغو، أن قادة الانقلاب "مدعومين شريحة من السكان مساندة لهم، وهذه الشريحة هي التي خرجت بالآلاف في أول يوم للانقلاب وكانت ترفع أعلام روسيا، وعاودت الخروج مرة أخرى، في إشارة إلى الاستياء الشعبي الموجود في البلاد من النفوذ الفرنسي".
من إفريقيا الوسطى إلى بوركينا فاسو
تنامي العداء لفرنسا والترحيب بالدور الروسي، يكشف عن نجاح استراتيجية موسكو في إفريقيا.
الاستراتيجية الروسية بدأت وفق محللين في 2017 عندما لجأ رئيس إفريقيا الوسطى، فوستان آرشانج تواديرا، إلى موسكو من أجل تأمين الأسلحة والمدربين العسكريين لتعزيز جيش جمهورية إفريقيا الوسطى.
في 2020 نجحت مجموعة "فاغنر"، في دعم بقاء تواديرا في الحكم بعد محاولة تحالف متمرد الإطاحة بنظامه مما عزز فرصة النفوذ الروسي في إفريقيا الوسطى.
نجاح التجربة الروسية في إفريقيا الوسطى، فتح شهية موسكو على توسيع دائرة نفوذها، فتكررت التجربة في مالي، عقب انقلاب الكولونيل أسيمي غويتا في 2020.
دعمت روسيا المجلس العسكري الحاكم في بماكو بالأسلحة، ووجود مرتزقة "فاغنر"، وبوركينا فاسو أصبحت بانقلاب تراوري أصبحت أقرب للخضوع للنفوذ الروسي.
أدوات التغلل الروسي
نفوذ روسيا المتزايد في إفريقيا في السنوات الأخيرة نتيجة لاستخدام موسكو لوسائل غير رسمية، مثل نشر مرتزقة "فاغنر"، وحملات عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وصفقات الأسلحة مقابل الموارد، والإتجار بالمعادن الثمينة، وفقا لمركز إفريقيا للدراسات، ومقره واشنطن.
نجحت روسيا في وجود تيار من المجتمع المدني والقوى السياسية داخل هذه البلاد، في الدفاع عن مشروعها وحضورها، بما يعزز القبول الروسي على مستوى الشعوب في الدول الإفريقية.
الدعاية الروسية أشارت إلى نجاح "فاغنر" في إفريقيا الوسطى في توفير الأمن والاستقرار، وهو ما تحاول أن تكرره في مالي، وقد تلحق بها بوركينا فاسو، ليبدأ ربيع روسيا في إفريقيا، وفقا للمحلل السياسي التوغولي محمد مادي غابكاتي.
بحسب غابكاتي فإن روسيا وضعت قدما قوية لها في إفريقيا الوسطى، وعبر الدعاية الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، نجحت في خلق تيار رأي عام وسط شعوب إفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد، وهي الدول التي خرجت منها تظاهرات تندد بالوجود الفرنسي وتطالب برحيل القوات الفرنسية، وتدعو للتحالف مع روسيا من أجل الأمن والاستقرار وتحسين الوضع الاقتصادي.
التجربة المالية مع مواجهة النفوذ الفرنسي تلقى صدى واسعا في الشارع البوركيني، وربما يحذو القادة الجدد نحو موسكو ويبتعدون عن فرنسا من أجل البحث عن شعبية هم في أمس لها في الوقت الحالي، لدعم السلطة الجديدة التي تنتج عن الانقلاب، وكذلك مواجهة الجماعات الإرهابية.
صراع النفوذ
ويصنّف الخبير في الشأن الإفريقي المقيم في باريس محمد تورشين، ما جرى في بوركينا فاسو، كجزء من الصراع الدائر في إفريقيا بين فرنسا وروسيا، التي تعمل منذ فترة على إيجاد مساحة لها على حساب باريس.
ووفق تورشين فإن "قطار التمدد الروسي لن يقف عند بوركينا فاسو بل سينتقل إلى دول أخرى، ربما منها تشاد والنيجر وبنين وتوغو التي يتراجع فيها النفوذ الفرنسي بشكل ملحوظ".
وبيّن تورشين لموقع "سكاي نيوز عربية" أن "روسيا تسعى لتشكيل قادة شباب يتعاون مع موسكو، والاعتماد على روسيا في صفقات السلاح والتدريب، والأمن، مقابل الموارد".