انتهت عمليات الاستفتاء للانضمام لروسيا التي نظمت على مدى 5 أيام من 23 ولغاية 27 من سبتمبر الجاري، في مناطق السيطرة الروسية في شرق وجنوب أوكرانيا وهي لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوروجيا، والتي تمخضت عن نسب تأييد تسعينية كاسحة لخيار الانضمام للاتحاد الروسي في تلك المناطق.
وتوجهت الأنظار حول العالم نحو ما يحدث هناك الآن من تحولات كبرى ستغير الخارطة الجيوسياسية لكل من روسيا وأوكرانيا، وما سيحصل من تغييرات ملموسة على الأرض في تلك المناطق وانعكاساتها على واقع الناس الاجتماعي والاقتصادي والأمني هناك.
آمال عريضة
يقول مسلم شعيتو، الأكاديمي والخبير بالشؤون الروسية، والذي كان شاهدا على عمليات الاستفتاء، في لقاء مع سكاي نيوز عربية: "مع الانتهاء من الاستفتاءات التي كشفت نتائجها حجم الدعم الشعبي الواسع في المناطق الأربع لخيار الالتحاق بروسيا، فإن السكان هناك يراهنون في خيارهم هذا على الحرية وخدمات الضمان الاجتماعي وتوفير الأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي، التي تقدمها الدولة الروسية لهم، حيث أن موسكو كانت تتعاطى مع هذه المناطق حتى قبل هذه الاستفتاءات كما تتعامل مع مختلف جمهوريات وأقاليم الاتحاد الروسي، وتوفر مثلا خدمات الطبابة والتعليم المجانيين لسكانها، علاوة عن تقديم مساعدات مادية شهرية لكبار السن والمتقاعدين والأطفال وللعوائل الكبيرة، وغير ذلك من أشكال الدعم".
ما بين الاقتصاد والأمن
وأضاف: "السكان في هذه المناطق يراهنون على أن مستوى معيشتهم سيتحسن، وهذا ما يفسر حجم الاحتفالات التي تسود هذه المناطق بعد ظهور نتائج الاستفتاءات، رغم تعرض العديد من تلك المناطق لقصف الجانب الأوكراني، وهكذا يعلق سكان تلك المناطق آمالا عريضة على الانضمام لروسيا خاصة لجهة تحسين شروط حياتهم الاقتصادية والأمنية والنفسية، وهو ما سيتحقق بلا شك في شقه الاقتصادي حيث سيرتفع معدل الرواتب، لكن أمنيا فالأمر مرتبط بردة فعل كييف والتي غالبا ستستمر في قصف تلك المناطق والتحرش بها، وهو ما سيقتضي من الآن وصاعدا ردا روسيا قويا كون هذه المناطق باتت جزءا من السيادة الروسية".
ويسهب شعيتو شارحا: "الناس هنا يراهنون على مستقبل واعد بعد قرارهم هذا وبما بات ينعكس على يومياتهم، حيث يتوافد العديد من أبنائهم مثلا على مناطق روسية لقضاء عطلة الصيف والتخييم في مناطق سياحية روسية مثل سوتشي وشبه جزيرة القرم، كما سيتمكن طلاب تلك المناطق المستفتاة من الدراسة مجانا في مختلف الجامعات الروسية، مع تخصيص منح مالية شهرية لهم لإكمال دراستهم".
ارتياح نفسي
وأكد شعيتو أنه على الأرض الآن ليس هناك تغيرات ملموسة كوننا نتحدث والاستفتاءات انتهت للتو، لكن على الأقل من الناحية النفسية فإن سكان هذه المناطق باتوا يشعرون بإن ثمة دولة بحجم روسيا تقف خلفهم، وأنهم ما عادوا مهددين كما كان في السابق لمجرد كونهم متحدرين من أصول روسية ويتحدثون اللغة الروسية، وهذا بحد ذاته مكسب كبير لهم كونهم كانوا ضحايا التمييز القومي واللغوي.
فقر وحرمان
ويقول تيمور دويدار الخبير الاقتصادي الروسي والمستشار بقطاع الأعمال والاستثمارات، في حديث مع سكاي نيوز عربية: "لوغانسك ودونيتسك منذ عام 2014 تعيشان حالة حرب وتعتمدان غالبا على المعونات والمساعدات الروسية، أما مقاطعتا زابوروجيا وخيرسون فهما منطقتان محرومتان وفقيرتان من حيث شح الموارد والثروات الطبيعية وتفشي الفقر والبطالة فيهما، وبعد اندلاع هذه الحرب فأوضاع الناس فيهما ساءت أكثر مع الأسف على وقع تداعياتها وما خلفته من دمار وخراب، ولهذا فالناس في ذينك المقاطعتين غالبا يسعون لمجرد ممارسة حقهم الطبيعي بالعيش بأمان وكرامة".
دونباس الأكثر استفادة
ويضيف الخبير الاقتصادي الروسي :"لكن في منطقة دونباس أي في جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك فإن الوضع يختلف، واللتان ترزحان منذ عام 2014 تحت وطأة العقوبات الغربية، وهما لهذا رغم كونهما منطقتين صناعيتين وغنيتين بمواردهما وطاقاتهما، فإنهما محرومتان من الاستثمارات وتطوير بناهما التحتية الصناعية والخدمية والاقتصادية، وهو ما قد يتبدل مع انضمامهما لروسيا حيث ستفك معظم القيود الكابحة لتطويرهما الاقتصادي والتنموي، وسيتاح لرأس المال الروسي التواجد هناك بقوة وتنمية الصناعات التي كانت قد توقفت وتراجعت، وتعزيز حركة التجارة والتبادل وتوسيع نطاق عمليات التنقيب عن المعادن والثروات الباطنية، ومعالجة المواد الخام وتكريرها".
وتبلغ مساحة الأراضي الأوكرانية التي تسيطر عليها روسيا أكثر من 100 ألف كلم مربع، أي ما يشكل نحو 20 في المئة من مجموع مساحة أوكرانيا، ويتراوح عدد سكان تلك المناطق الخاضعة للسيطرة الروسية ما بين 5 إلى 7 مليون نسمة، أي ما يقارب 15 بالمئة من مجموع سكان البلاد.