تخلت روسيا عن أحد معاقلها الرئيسية في شمال شرق أوكرانيا، الأمر الذي وصفه مراقبون بالانهيار المفاجئ لواحد من الخطوط الأمامية الرئيسية للحرب بعد تقدم القوات الأوكرانية خلال الأيام الأخيرة.
واعتبر مراقبون ومحللون عسكريون، السقوط السريع للجيش الروسي في مدينة "إيزيوم" قرب خاركيف بأنه أسوأ تراجع لموسكو منذ أن أجبرت قواتها على العودة من العاصمة كييف في مارس الماضي، وقد يكون بمثابة نقطة تحول حاسمة في الحرب المستمرة منذ أكثر من 200 يوم.
وفي الوقت الذي تنتشي كييف بمكاسب عسكرية على الأرض في الأيام الأخيرة، أظهرت صورًا لجنود أوكرانيين وهم يرفعون علم بلادهم في عدد من المناطق التي استعادوها من قبضة الروس، مثل إزيوم، إلى جانب بلدات أخرى مثل كيندرا شيفكا، وشكالوفسكي، وفيليكي كوشوفاخا.
واستخدمت القوات الروسية إيزيوم كقاعدة لوجستية في هجموها الذي استمر لشهور في الشمال وخاصة على منطقة "دونباس".
ومنذ بدء الهجوم الأوكراني المضاد على روسيا في وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت كييف استعادة قواتها مناطق يتجاوز مجموع مساحتها 3 آلاف كيلومتر مربع في الأيام الأخيرة.
لكن وزارة الدفاع الروسية قالت إن قرارها بسحب قواتها من تلك المناطق يأتي لـ"إعادة توجيه جهودهم في اتجاه دونيتسك".
4 عوامل للتفوق الأوكراني
تعليقًا على الوضع العسكري الراهن في أوكرانيا، قال مدير الاستراتيجيات والتسليح بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره لندن، والمسؤول السابق في حلف شمال الأطلسي، وليام ألبيركي، في حديث لـ"سكاي نيوز عربية"، إن هناك 4 عوامل رئيسية ساهمت في النجاحات العسكرية الأخيرة لأوكرانيا.
* الأول: الإرادة والقوة والتفاني والروح المعنوية للجنود والقيادة الأوكرانية ومما يمنحهم ميزة فردية.
* الثاني: التخطيط والتنفيذ المتفوقان، بما في ذلك واحدة من أعظم عمليات الخداع العسكرية بدعم من المخابرات الغربية ودعم التنفيذ.
* الثالث: الدعم العسكري واللوجيستي وتفوق المدفعية وخاصة قاذفات هيمارس الأميركية التي مكنت أوكرانيا من تدمير ميزة روسيا في المدفعية والذخيرة من مسافة بعيدة، وتركيز الدمار على ساحة المعركة لتمكين الاختراقات السريعة.
* الرابع: القيادة الروسية التي لم تتمتع بكفاءة في إدارة الحرب مؤخرًا، وعدم القدرة على تنفيذ تكتيكات متماسكة على مستوى واحد.
واتفقت مع ذلك الخبيرة الأميركية المختصة في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، إيرينا تسوكرمان، التي قالت في تصريحات لـ "سكاي نيوز عربية"، إن تحسين التدريب ودمج المدنيين بمرور الوقت، والمساعدة الاستخباراتية الأميركية، وانخفاض الروح المعنوية من قبل الروس، كانت أيضا من العوامل التي دفعت القوات الأوكرانية لاستعادة حيويتها.
وأضافت: "الهجمات التي أدت إلى هزيمة الروس كان لها تأثير الدومينو الذي تسبب في فرار المزيد من الناس وأدى إلى انهيار جبهة بأكملها، وتُظهر هذه الأحداث بوضوح أنه ليس فقط يمكن كسب الحرب بالنسبة لأوكرانيا، ولكن إذا تلقوا نفس الدعم في بداية الحرب، فربما لم يتمكن الروس من تحقيق ذلك على الإطلاق".
سيناريوهات متوقعة
ويعتقد "ألبيركي" أن روسيا ستحاول تعزيز خطوطها، والتمسك بما تحت يديها على الأرض، والبدء في شن هجمات لمحاولة تقييد أوكرانيا على أكبر عدد ممكن من الجبهات.
وهذا ما تحدثت عنه وزارة الدفاع الروسية التي قالت إنها تستهدف إعادة توجيه جهودهم في اتجاه دونيتسك، عبر عمليات التحويل والانتشار إيذانا بأنشطة القوات الفعلية.
لكن المسؤول السابق بـ"الناتو"، قال إنه لا يزال هناك احتمال قوي بأن أوكرانيا ستكون قادرة على صد القوات الروسية ودحرها مجددا.
وفي غضون ذلك، ستزداد حدة العراقيل في القوات الروسية التي تعاني معظم وحداتها بالفعل من نقص في عدد الجنود، وخسارة عدد كبير من المعدات العسكرية، الأمر المرشح للتفاقم، فضلًا عن التأثير السلبي على الحالة المعنوية، وفق ما ذكر "ألبيركي".
أما على مستوى القوات الأوكرانية، فيرى أن كييف ستستمر في اتخاذ إجراءات صغيرة ولكنها حاسمة لإبقاء روسيا "في غفوة" والسعي لاستعادة المناطق، ومعرفة ما إذا كان بإمكانهم إجبار الجيش الروسي على التراجع أكثر، ثم يتم الضغط على روسيا لاتخاذ قرار أو دعوة من أجل التفاوض.
وسيكون للتعبئة العسكرية الروسية الكاملة تكاليف باهظة على مستوى الإدارة الروسية، بخلاف أوكرانيا التي تحظى بدعم عسكري قوي من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.
مدن حاسمة
"إذا تمكنت أوكرانيا من تأمين خاركيف بالكامل والاستيلاء على خيرسون، فإن مضمون الحرب يتغير بشكل حاسم"، حسبما ذكر مدير الاستراتيجيات والتسليح بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.
وبعد ذلك، ستحلم أوكرانيا باستعادة مدينة دونيتسك في الجنوب الشرقي، وكذلك مدينة ماريوبول، ثم سفرودونتسك، مما قد يدفع روسيا مرة أخرى إلى شبه جزيرة القرم وحدود 24 فبراير.
ومع ذلك، قالت الخبيرة الأميركية أنه من المرجح أن تؤدي استعادة السيطرة على خيرسون بالكامل، وإنهاء الوجود الروسي في منطقة دونيتسك، إلى تشكيل المسار المستقبلي للأحداث.