تصاعدت حدة الأزمة بين روسيا والدول الأوروبية خلال الساعات الماضية، مع تأكيد موسكو على إيقاف إمداداتها من الغاز إلى أوروبا حتى يرفع الغرب عقوباته الاقتصادية، في الوقت الذي استمرت المخاوف بشأن تداعيات تلك الخطوة في رفع أسعار الطاقة.
وذكرت وكالة "موديز" للتصنيفات الائتمانية، أنه من المُرجح أن يؤدي الانقطاع الكامل لتدفقات الغاز الروسي عبر خط "نورد ستريم" الاستراتيجي، إلى ركود شديد في منطقة اليورو ومزيد من الزيادة في التضخم المرتفع بالفعل.
وفي حديثه للصحفيين، الاثنين، ألقى المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، باللوم على العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على بلاده والتي حالت دون تأمين صيانة البنى التحتية الغازية.
كان عملاق الغاز الروسي "غازبروم"، أعلن تعليق عمليات التسليم كليا عبر خط أنابيب الغاز نورد ستريم، عازيا ذلك إلى اكتشاف تسرب للزيت في أحد التوربينات.
في المقابل، قال متحدث باسم المفوضية الأوروبية، إن روسيا يمكنها ضخ المزيد من الغاز إلى أوروبا عبر طرق أخرى بعد إغلاق "نورد ستريم 1"، لكن موسكو اختارت ألا تفعل.
وقلصت روسيا التدفقات عبر الخط إلى 40 بالمئة في يونيو و20 بالمئة في يوليو.
في العادة، تزود روسيا أوروبا بنحو 40 بالمئة من احتياجاتها من الغاز، معظمها عبر خطوط أنابيب، وبلغت الإمدادات في العام الماضي نحو 155 مليار متر مكعب.
سيناريوهات الأزمة
وفي حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، قال الخبير المتخصص في قطاع النفط والغاز ومؤسس شركة "فيروسي" لإدارة الاستثمارات والاستشارات المالية ومقرها هولندا، سيريل ويدرسهوفن، إن القرار الذي اتخذته الإدارة الروسية سيضر الدول الأوروبية بشكل يتجاوز ما تتحدث عنه الحكومات حاليا، فحتى الآن لا توجد إمدادات للغاز، وأي حديث ضخ مستقبلي سيكون بنسب ضئيلة ليس لها تأثير إيجابي كبير.
وحسب ويدرسهوفن، فإن متوسط التخزين الحالي للغاز في أوروبا يبلغ 80 بالمئة من الطاقة الاستعابية، مع وجود فوارق كبيرة بين الدول، ومن ثم فإذا استمر الحال كما هو عليه سيكون الشتاء المقبل مشكلة حقيقية، وستكون خيارات الطاقة تحت ضغط كبير.
وفي نظر محلل أسواق الطاقة، ستعمل أوروبا لتفادي هذه الأزمة عبر سيناريوهات منها تطبيق التخفيضات السائدة في استخدام الغاز الطبيعي، أو تخفيض الإمدادات عن الصناعات، وخاصة الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، وعلى رأسها الأسمدة.
لكن كل هذه السيناريوهات تصاحبها مخاوف من ارتفاع أسعار الطاقة، وبالتبعية أسعار المواد الغذائية التي ستشهد ارتفاعا مستقبليا، مما قد يسبب اضطرابات داخلية في الشوارع، ستختبر قدرة السياسيين على التحمل والتعامل في الأشهر المقبلة، وفق ويدرسهوفن.
اضطراب مجتمعي
يرى الزميل غير المقيم في مركز الطاقة العالمي التابع للمجلس الأطلسي، بول سوليفان، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن للصراع بين روسيا وأوروبا بشأن الغاز عدّة تداعيات، فالعديد من الشركات الصغيرة في منطقة اليورو تغلق أبوابها بالفعل بسبب ارتفاع أسعار الكهرباء، كما ينظر الكثيرون في الاتحاد والمملكة المتحدة إلى زيادة التضخم ليس فقط في أسعار الطاقة، لكن أيضًا في أسعار الغذاء والنقل وغير ذلك الكثير من التضخم المدفوع بتضخم الطاقة.
وشهدت أسعار الغاز ارتفاعات قوية في تعاملات اليوم بما يصل إلى 30 بالمئة، عقب وقف الإمدادات الروسية، وسط مخاوف قوية بشأن توفير الغاز في فصل الشتاء.
وأوضح سوليفان أن الاتحاد الأوروبي لا يزال يبحث عن مصادر جديدة للغاز، في الوقت الذي ترسل الولايات المتحدة كميات متزايدة وكبيرة جدا من الغاز المسال للمساعدة في تجاوز الأزمة، مضيفًا: "اعتمد الاتحاد الأوروبي على روسيا في الكثير من طاقتها، وكانت الولايات المتحدة تحذرهم من هذا الأمر منذ عهد جون كينيدي، لكنهم لم يستمعوا".
ومن بين مصادر الغاز البديلة أمام الاتحاد الأوروبي بحسب "سيولفان": قطر وأذربيجان والنرويج وأستراليا وصولا لترينيداد وتوباغو.
وقال: "يأمل الاتحاد الأوروبي في ملء احتياطياته من الغاز لفصل الشتاء، لكن بدون تدفق الغاز الروسي يصبح الأمر أكثر صعوبة".
وأضاف محلل الطاقة: "تنبع أكبر المخاطر السياسية التي يواجهها الاتحاد الأوروبي من غضب وإحباط الأفراد والشركات والنقابات وغيرهم ممن سيتضررون من تضخم الطاقة لاحقا، وقد يؤدي تضخم الطاقة إلى الإطاحة بحكومات، كما أنه قد يستمر حتى عام 2023".