مع مرور أكثر من نصف عام على بدء الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير المنصرم، تتصاعد وتيرة ارتدادات زلزالها داخل بلدان الاتحاد الأوروبي التي تعيش أزمة حادة اقتصاديا وسياسيا وأمنيا جراء تلك الحرب، والتي تعتبر الأكثر تأثرا بها لعوامل جيوسياسية واقتصادية ضاغطة.
انقلاب الرأي العام الأوروبي
يرى مراقبون أن ارتفاع كلفة الوقوف الأوروبي بجانب كييف باتت دافعا لحدوث تحولات في أوساط الرأي العام حيال مواقف الحكومات الأوروبية، وانتقاد تقديمها الدعم والتسليح لأوكرانيا وهو ما يتسبب بمضاعفة تداعيات الحرب على الأوروبيين واثقال كاهلهم اقتصاديا.
والسبت الماضي، اندلعت مظاهرات واحتجاجات شعبية في مدن بألمانيا كمدينة كاسل منددة بتورط برلين في تسليح كييف، فيما تظاهر عشرات الآلاف في تظاهرة جابت شوارع العاصمة التشيكية براغ.
وانتقد المشاركون في مظاهرة براغ، التي فاق عدد المشاركين فيها 70 ألف، موقف الحكومة في الحرب بأوكرانيا، مشيرين إلى أنها اهتمت بالحرب أكثر من معالجة الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة.
وأججت أزمة الطاقة التي دفعت بها الحرب الأوكرانية، حالة عدم الاستقرار الاقتصادي في أوروبا، حيث أدى ارتفاع الأسعار لازدياد التضخم، الذي وصل بالفعل إلى مستويات غير مسبوقة في منطقة اليورو.
الشتاء يلهب الأزمة
العامل الأكثر ضغطا هو أن فصل الشتاء بات على الأبواب الأوروبية، في الوقت الذي أقرت فيه مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى في 2 سبتمبر الجاري خطة فرض حد أقصى لسعر النفط الروسي لتقليص عائدات موسكو، وردت الأخيرة بإيقاف تدفقات خط أنابيب الغاز لأوروبا "نورد ستريم 1".
ووصلت تداعيات الحرب لحد التسبب بسقوط رؤساء حكومات بدول أوروبية كبيرة على وقع الأزمات الناتجة عنها، كرئيس الوزراء الإيطالي السابق ماريو دراغي.
هل ورطت أوروبا نفسها؟
ويقول الباحث والخبير في الشؤون الأوروبية ماهر الحمداني، في لقاء مع موقع "سكاي نيوز عربية": "لعل الشيء الوحيد الذي يتفق حوله المعسكران الروسي والغربي هو أن هذا الشتاء سيكون قاسيا جدا على الأوروبيين، والذين كانوا يعتقدون أن الأمر سيقتصر على مواجهة تحديات اقتصادية ولوجستيا فقط، لكن مع اقتراب الشتاء يبدو أن الأزمة ستتحول لسياسية واجتماعية مزمنة وتكاليفها باتت باهظة جدا، وثمة تململ واضح داخل المجتمعات الأوروبية جراء توريط أوروبا لنفسها في خضم هذه الأزمة، التي تثقل كاهل المواطنين لدرجة أن الاحتجاجات بدأت تنتقل للشارع كما حدث مثلا في ألمانيا وتشيكيا".
ويضيف الحمداني: "فمثلا أكدت وزيرة الدفاع الألمانية أن دوريات عسكرية ستجوب الشوارع من أول أكتوبر المقبل أي بعد نحو 3 أسابيع فقط، تحسبا لاندلاع أعمال عنف واحتجاج، وهو أمر كان مجرد توقعه قبل هذه الحرب ضربا من الخيال، بأن تزج دول مستقرة ومرفهة كبلدان الاتحاد الأوروبي جيوشها لقمع الاحتجاجات الشعبية ضد ما تشهده تلك الدول من أزمات اقتصادية وسياسية حادة، على وقع الحرب الأوكرانية ومواقف الاتحاد الأوروبي منها".
"الروس كانوا يعلمون أن الغضب الشعبي سينفجر ضد الحكومات الأوروبية، بل وأن القادة الروس حضوا الشارع الأوروبي على رفع الصوت ورفض سياسات حكوماتهم، وهو ما يبدو أنه قد لاقى صداه لحد بعيد في أوساط الرأي العام الأوروبي، حيث تتبلور ملامح بروز حركة احتجاج واسعة على إقحام الاتحاد الأوروبي لنفسه بهذا الشكل السافر في حرب أوكرانيا، وتسليح كييف واستعداء موسكو"، وفق الخبير بالشؤون الأوروبية.
"حتى أن ثمة تخوفات من انزلاق أوروبا لحرب مباشرة مع الروس وخاصة ألمانيا التي لطالما كانت تخسر حروبها مع روسيا، خصوصا خلال فصل الشتاء كما حصل خلال الحرب العالمية الثانية وكما حدث مع حملة نابليون، وهكذا ففي كل مرة كان الشتاء من عوامل هزيمة الأوروبيين العسكرية أمام الروس، وهو ما يقض مضاجع الشعوب الأوروبية عامة ويستحضر أجواء الحروب والدمار بالقارة العجوز، كما يختم المتحدث.
المسألة نسبية
يقول الدبلوماسي السابق والخبير بالشؤون الغربية مسعود معلوف، في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية": "في بلدان ديمقراطية كالغربية فإن المظاهرات هي حق مكفول وظاهرة صحية دارجة هناك، والشعوب فيها عندما تتأثر بتردي أوضاعها الاقتصادية والمعيشية، فإنها تمارس حقها في التظاهر وإبداء الرأي والنقد".
واستدرك: "علينا ألا ننسى أن 70 ألفا رغم أنه ليس رقما قليلا، لكنه لا يمثل بطبيعة الحال أكثرية سكان براغ، ولا يعبر عن غالبيتهم بالضرورة، وبالتالي فالمسألة نسبية، ولا يمكننا اعتبار مثل هذه الاحتجاجات مؤشرا على تحول كبير في المزاج الشعبي الأوروبي الداعم لأوكرانيا".