بعد مرور نحو 6 أشهر على بداية العملية العسكرية الروسية، كشفت تقارير استخباراتية بريطانية عن الطرف الرابح حتى الآن في الحرب السيبرانية الموازية للصراع المشتعل على أرض أوكرانيا.
ففي مقال افتتاحي بصحيفة "الإيكونومست"، أشار رئيس جهاز المخابرات البريطاني، جيريمي فليمنغ، إلى أن "كلا البلدين يستخدم قدراته الإلكترونية خلال الحرب، وحتى الآن، خسر الرئيس فلاديمير بوتن حرب المعلومات في أوكرانيا".
وأضاف: "خطط روسيا الأولية بالنسبة إلى الإنترنت لم تحقق أهدافها. كان استخدام الدولة للأدوات الإلكترونية الهجومية غير مسؤول وعشوائيا"، لافتا إلى أن "نشر معلومات مضللة عبر الإنترنت جزء رئيسي من الاستراتيجية الروسية، لكن مركز الاتصالات الحكومية البريطاني تمكن من اعتراضها وإصدار التحذيرات في الوقت المناسب".
كن خائفا وتوقع الأسوأ
وتعتبر الهجمات الإلكترونية جزءا مهما من عوامل الحروب الحديثة، وهو ما أكده المحلل السياسي، أرثر دي ليديكيرك، ضاربا المثل في الهجوم الروسي على جورجيا في عام 2008.
ورغم حداثة الحرب، إلا أن العمليات السيبرانية كانت جارية في أوكرانيا قبل وقت طويل من هجوم القوات الروسية في 24 فبراير، حيث تعرضت أوكرانيا لسلسلة من الهجمات الإلكترونية شوهت مواقع مؤسسية والبيانات الموجودة على بعض أجهزة الكمبيوتر الحكومية، وتركت تهديدا بتسريب البيانات الخاصة، بالإضافة إلى تحذير مشؤوم للشعب الأوكراني "كن خائفا وتوقع الأسوأ".
وأوضح ليديكيرك، مدير مركز "راسموسن" للاستشارات السياسية والاستراتيجية، لـسكاي نيوز عربية أنه "منذ أن دخلت الدبابات إلى الأراضي الأوكرانية، تراوحت الأنشطة السيبرانية المتعلقة بالحرب في أوكرانيا من هجمات البرمجيات الخبيثة تستهدف مواقع الويب الحكومية والإعلامية، وحملات التصيد، وأبرزها تعطيل خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية.
حملات التضليل واسعة النطاق، كانت أداة رئيسية في يد الطرفين، وبحسب ليديكيرك، فقد "استفاد كل منهما من الإمكانيات التي يوفرها الفضاء الإلكتروني من حيث الانتشار وسرعة المحتوى المشترك وأيضا الدعاية الأكثر تقليدية، مع مشاهد مسرحية في وسائل الإعلام الروسية وأخرى ضعيفة السرد في الصحافة ووسائل الإعلام الأوكرانية".
4 عوامل ترجح كفة أوكرانيا
في أوكرانيا لم يتفاجؤوا بهذه الهجمات، بل كانوا مستعدين لها، حيث تعرضوا لها في 2014 عند سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم، وفق ليديكيريك.
ومن المهم الإشارة إلى أن أحد الأسباب العديدة التي يمكن أن تفسر بشكل معقول التأثير القليل نسبيّا لهذه الهجمات على أوكرانيا، هو المستوى المكثف من التحضير للأوكرانيين منذ عام 2014 بعد الاستيلاء على القرم، مع استراتيجية جديدة للأمن السيبراني، وتجديد لخدمات استخباراتهم. وتعزيز قدرات الاستجابة للحوادث، ومستوى الدعم الذي تلقوه من حلفاء الناتو في صد الهجوم الرقمي الروسي.
"علاوة على ذلك، فشلت روسيا في دمج الإنترنت بشكل مناسب في عملياتها التقليدية، ولم تستخدم موسكو بعد العمليات الإلكترونية بطريقة منسقة بوضوح مع الوحدات العسكرية ومصممة لتسهيل تقدم القوات البرية أو الجوية".
وعلى سبيل المثال، لم تقم الوحدات الإلكترونية الروسية بعد بقطع الكهرباء أو الاتصال بالإنترنت على نطاق واسع في أوكرانيا.
ويشير مقال حديث لمجلة "فورين أفيرز" حظي بقدر كبير من الاهتمام، حيث وقع عليه كل من مساعد الأمين العام لحلف الناتو للاستخبارات والأمن، ديفيد كاتلر والمحلل الرئيسي في فرع تحليل التهديدات السيبرانية، إلى "زلات روسيا" التي أضرت بشكل شبه مؤكد بقدرتها على استخدام برنامجها الإلكتروني بشكل كامل لدعم قواتها التقليدية.
واعتبر ليديكيرك أنه "بطبيعة الحال، تسبب غزو الحكومة الروسية لأوكرانيا في مخاوف متزايدة بشأن حوادث الأمن السيبراني على جانبي المحيط الأطلسي. لكن هناك علامات على أن روسيا تكبح هجماتها أو على الأقل معايرتها إلى حد معين لتجنب التصعيد أو الآثار غير المباشرة خارج أوكرانيا والتي قد تؤدي إلى رد من الغرب، يمكن أن يجر الناتو إلى المعركة حيث حذر مؤخرا أنه لا يمكن أن يؤدي هجوم إلكتروني ضار للغاية على أي عضو في الحلف إلى إطلاق المادة 5 فحسب، بل قد يؤدي أيضا إلى تراكم هجمات أصغر (يتم الحكم عليها في إحدى القضايا) على أساس كل حالة".
ماذا نتوقع؟
وحول توقعاته للفترة المقبلة، يشير ليديكيرك إلى أنه "من المحتمل أن تمارس روسيا قدرا أقل من ضبط النفس في استخدامها للإجراءات الإلكترونية المدمرة، حتى إذا وافق الروس على نوع من الهدنة، فإن تكثيف جهودهم على الإنترنت سيكون أحد السبل القليلة المتاحة لهم لإلحاق الضرر بأوكرانيا في المنطقة الرمادية الواقعة تحت عتبة المواجهة المباشرة".