تتواصل الحرب الروسية الأوكرانية، مخلفة توترا غير مسبوق بين واشنطن وموسكو، ألقى بظلاله القاتمة على مجمل العلاقات الدولية، ولتطول تداعياته مختلف أوجه وميادين التعاون الدولي.
وفي هذا السياق يأتي إعلان وزارة الخارجية الروسية إبلاغها واشنطن بإخراج مواقعها ومنشآتها العسكرية النووية مؤقتا من عمليات التفتيش في إطار معاهدة "ستارت-3"، لأن روسيا ليس بمقدورها تنفيذ الإجراءات المماثلة على الأراضي الأميركية بسبب القيود المفروضة على الروس من قبل الولايات المتحدة.
ويأتي هذا التطور المثير للقلق وفق خبراء ومحللين عسكريين، فيما تتزايد التحذيرات حول العالم من مغبة وقوع حرب نووية مدمرة على وقع الأزمات الدولية المتصاعدة من أوكرانيا إلى تايوان.
ويرى مراقبون أن العالم بعد نحو 8 عقود من استخدام السلاح النووي في هيروشيما وناغازاكي في مثل هذه الأيام قبل 77 عاما، يحبس أنفاسه مجددا من خطر وقوع صراعات وحروب نووية.
وفي المقابل، قلل آخرون من خطورة القرار الروسي وتحميله ما لا يحتمل، معتبرين إياه حلقة في سلسلة الضغوطات مدروسة العواقب المتبادلة بين واشنطن وموسكو، وأن اللعب بالورقة النووية والتلويح بها يندرج في هذا الإطار.
وتعليقا على القرار الروسي، قال رائد العزاوي، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأميركية في القاهرة بحديث مع موقع "سكاي نيوز عربية": "هذا القرار يندرج طبعا في سياق تصاعد الخلاف الروسي الأميركي وتصادم الطرفين حول العديد من الملفات الملتهبة وأبرزها الملف الأوكراني، لكن حساسية هذه الخطوة تأتي من أن معاهدة ستارت 3 مهمة جدا كونها ضابطة لعمليات التفتيش في المواقع النووية بين البلدين، علاوة على منحهما فرصة المراقبة المستمرة للمنشآت النووية ذات الاستخدامات الحربية لدى كل طرف".
وأضاف العزاوي: "ما يحدث خطير جدا، والعلاقة الأميركية الروسية دخلت مرحلة جمود مقلق باتت تلقي بظلالها على موضوع الحد من الانتشار النووي، وهكذا فالمناكفات بين واشنطن وموسكو تنذر بالأسوأ".
واسترسل أستاذ العلاقات الدولية، قائلا: "المفارقة أن هذه التطورات تتم فيما تحيي اليابان ذكرى مرور 77 عاما على قصفها بالسلاح النووي من قبل الجيش الأميركي إبان الحرب العالمية الثانية، وهو ما يزيد المخاوف من هذه التجاذبات بين العملاقين النوويين الروسي والأميركي، لكن يبقى هناك في النهاية خط تواصل أحمر ساخن بين البلدين دوما، وخاصة فيما يتعلق بالملف النووي".
وتابع: "أي استخدام للسلاح النووي سيقود العالم نحو دمار شامل، وعليه فما يجري لا يتعدى كونه من باب المناكفات وتسجيل النقاط وجس النبض، حيث يهدد هذا الطرف تارة ويلوح ذاك تارة أخرى بالسلاح النووي، لكن ثمة بعد كل شيء ضوابط صارمة جدا وأزرار إطلاق تلك الأسلحة هي في أيد مسؤولة وأمينة في البيت الأبيض والكرملين".
ولفت العزاوي إلى أنه "لا شك وقف روسيا تعاونها مع أميركا يستدعي إعادة النظر في معاهدة ستارت ومخرجاتها، فالانتشار النووي بات خطرا داهما يتهدد الأمن والاستقرار الدوليين، وحسبنا الإشارة هنا إلى الملفين النوويين الإيراني والكوري الشمالي، ما يستوجب صياغة ضوابط واتفاقيات دولية أكبر من معاهدة ستارت وأشمل، كون العالم بات بالفعل على صفيح نووي ساخن".
وفي المقابل يقول الباحث الاستراتيجي، عامر السبايلة، في لقاء مع موقع "سكاي نيوز عربية": "يدور حديث منذ سنوات عن انسحاب روسيا من معاهدة ستارت للحد من الانتشار النووي، لكن القضية اليوم تكتسب معنى مختلفا، كونها تتم في ظل توتر كبير بالعلاقات الدولية على وقع الأزمة الأوكرانية، ووصول الأمور لمرحلة لا يمكن قبولها والتعايش معها من قبل الروس".
ولهذا، يرى السبايلة أن: "موسكو تعمل على لعب كافة أوراقها وممارسة الضغط المتواصل على واشنطن وفتح ملفات متفجرة وراكدة في وجهها، كون واشنطن تتبع حيالها سياسة طويلة الأمد تقوم على إرهاق روسيا واستنزافها، والأخيرة تعمل ردا على ذلك بالتلويح بخيارات خطيرة وبإثارة قضايا حساسة كالموضوع النووي".
وأعلنت روسيا والولايات المتحدة، في فبراير 2021، بدء سريان تمديد معاهدة ستارت 3 ببنهما، بشأن الحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية النووية لمدة 5 سنوات أخرى.
ومعاهدة ستارت 3 هي امتداد لمعاهدة الحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية، ستارت 1، الموقعة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في عام 1991 بموسكو.
ووقعت المعاهدة الجديدة آنذاك في العاصمة التشيكية براغ، في أبريل العام 2010 من قبل الرئيس الأميركي باراك أوباما ونظيره الروسي ديمتري ميدفيديف، ودخلت حيز التنفيذ في فبراير من العام 2011.