أعاد الاقتراح الذي طرحه المستشار الألماني الأسبق غيرهارد شرودر، إثر زيارته مؤخرا للعاصمة الروسية موسكو، لحل المشكلة في شرق أوكرانيا وفقا لنموذج الكانتونات السويسري، والذي رفضه الكرملين، الجدل مجددا حول بقاء أوكرانيا كدولة موحدة بحدودها الدولية ما قبل الحرب المندلعة منذ 24 فبراير الماضي.
حيث علق المتحدث بإسم الكرملين ديمتري بيسكوف، على المقترح بالقول أن هذا لم يعد ممكنا، إذ تم الاعتراف باستقلال جمهوريتي دونباس من قبل روسيا، مضيفا:"إن جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الشعبيتين، دولتان مستقلتان".
ويرى محللون أن تصريحات الكرملين هذه تبدد مرة أخرى أي أمل أوكراني باحتمالية استعادة مناطق واسعة من شرق البلاد، والتي تسيطر عليها القوات الروسية والحليفة لها، وأن مقترح الكانتونات هذا كان ممكنا ربما تطبيقه قبل أن تتطور الأزمة بهذا الشكل الدراماتيكي مفجرة حربا كبيرة منذ نحو نصف عام.
فيما يرى مراقبون في المقابل، أن مثل هذه الصيغ من الحلول قد يتم اعتمادها في مناطق أخرى في جنوب أوكرانيا وعلى الشريط البحري على البحر الأسود مثل خيرسون.
وتعليقا على ذلك، تقول الباحثة الروسية المختصة في العلاقات الدولية لانا بدفان، في حديث لسكاي نيوز عربية:"مقترح المستشار شرودر الخاص بتطبيق تجربة الكانتونات السويسرية في دونيتسك ولوغانسك مرفوض من قبل روسيا، كونه لا يتسق مطلقا مع الواقع على الأرض وتحولاته العميقة، حيث خطت الجمهوريتان خطوات بعيدة في سبيل تكريس استقلالهما عن كييف وهما الآن تتبعان موسكو ومرتبطتان بروسيا عضويا في كافة المجالات، بدءا من العملة واللغة وصولا إلى أنظمة البنوك والإنترنت والاتصالات ورموزها".
وتضيف الباحثة الروسية:"وعليه فقد فات الآوان ولا يمكن التراجع عن استقلال دونيتسك ولوغانسك، وهو ما تتحمل مسؤوليته بالدرجة الأولى أوكرانيا التي تعنتت على طاولة التفاوض وتملصت من تطبيق اتفاقية مينسك التي أبرمت العام 2014، لمعالجة قضية المناطق ذات الغالبية الروسية في دونباس".
من جانبه، يرى الكاتب والباحث الخبير في العلاقات الدولية طارق سارممي، في حديث لسكاي نيوز عربية :"إن نماذج الحل كالحكم الذاتي وحتى الفيدرالية تبدو صعبة التحقق في الحالة الأوكرانية لمعالجة قضية ذوي الأصول الروسية والناطقين بها، خاصة بعد هذه الحرب الدموية والتحولات التي أفرزتها على الأرض، حيث ناهيك عن جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك وهما منفصلتان عمليا عن كييف منذ أكثر من 8 سنوات، فإن مناطق عديدة أخرى لحقت بهما بعد الحرب مثل خيرسون والعين الروسية كذلك هي الآن على مدن أخرى لا تقل أهمية مثل ميكولايف وأوديسا".
ويتابع سارممي :"بمعنى أن الحقائق الميدانية تشير لنية موسكو سلخ تلك المناطق تماما عن أوكرانيا، وتحويلها لدول مستقلة قد تعلن انضمامها لروسيا فيما بعد، ووفق هذا المنحى يمكن فهم مغزى الرفض الروسي لمقترح شرودر، حيث أن الروس يسعون فعليا لتقسيم أوكرانيا ما سيقود بداهة لإضعافها ومنعها من التحول لمنصة أطلسية تهدد الأمن القومي الروسي".
مستدركا بالقول:"ربما في حال تعثر استتباب السيطرة الروسية الكاملة على مناطق جنوبية من أوكرانيا، لاعتبارات عسكرية أو تفاوضية وسياسية، قد تنفتح موسكو على حلول شبيهة بمقترح الكانتونات السويسرية لتسوية الوضع في تلك المناطق، دون أن ينسحب الأمر على المناطق الشرقية وتحديدا في إقليم دونباس الذي بات واضحا أن الأمر الواقع الروسي فيه بات مترسخا حاله حال شبه جزيرة القرم، بمعنى أنه خارج دائرة التفاوض والتنازل".
واعترفت موسكو بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك المعلنتين من جانب واحد، قبل يومين فقط من بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في 24 من فبراير الماضي، التي قامت بها دفاعا عنهما ولحماية السكان في دونباس وفق الرواية الروسية.