كان لافتا في ردود الأفعال الدولية على الأزمة التي أحدثتها زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان، الموقف الروسي، الذي جاء متضامنا بقوة مع الصين في رفض الزيارة.
وتوزعت المواقف الروسية الشديدة اللهجة إزاء زيارة بيلوسي، بين وزارة الخارجية الروسية والكرملين ومجلس الدوما الروسي (البرلمان)، إذ نددت هذه الجهات الثلاث بتلك الزيارة المثيرة للجدل، التي اختتمت الأربعاء.
وقال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن ما قامت به بيلوسي "ازعاج لا مبرر له عكس حرص الولايات المتحدة على الإثبات للجميع أنها لا تخضع لأي محاسبة".
ويرى خبراء أن زيارة بيلوسي ستسهم في تعميق التقارب الروسي الصيني، في سياق استفحال صراعات السيطرة والنفوذ والفضاءات الحيوية المحتدة بين القوى الدولية الكبرى.
ويقول حسن المومني، أستاذ العلاقات الدولية وفض النزاعات، لموقع "سكاي نيوز عربية": "زيارة بيلوسي لم تكن حدثا عاديا وعابرا في ظل التحولات في موازين القوى الدولية، والتوترات الحادة العاصفة بعلاقات القوى العالمية الكبرى، وحتى قبل الأزمة الأوكرانية كانت العلاقات الروسية الصينية وثيقة ووطيدة تؤطرها مصالح مشتركة واسعة، علاوة على مواقفهما المنسقة حيال المحور الغربي المضاد".
واستدرك قائلا: "لكن لا ننسى أن ثمة تشابكا اقتصاديا هائلا ما بين الصين والغرب وخاصة الولايات المتحدة، وعليه فالاصطفاف الروسي الصيني رغم متانته لم يصل بعد لدرجة الاصطفاف الاستراتيجي، فالموقف الصيني مثلا لم يكن مساندا بشكل مفتوح ومطلق للتحرك الروسي ضد أوكرانيا".
استغلال روسي
ويضيف المومني: "الآن يبدو أن الفرصة سنحت لروسيا على خلفية زيارة تايوان لبعث رسالة للصين مفادها، بإنها تقف معها بلا لبس في وجه الولايات المتحدة وأنهما معا يشكلان قوة رادعة أمام تمدد الهيمنة الغربية حول العالم، وعليه فموسكو تسعى لاستغلال الأزمة التايوانية الحالية بهذا المنحى، لكن رغم ذلك قد لا ينجم بالضرورة عن هذا التناغم بين موسكو وبكين بلورة وتطوير موقف استراتيجي موحد بين البلدين".
ويتابع: "وذلك رغم أن ثمة تشابها بين الحالتين الأوكرانية والتايوانية، حيث تقول روسيا إن شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا مثلا هي أراض روسية، وكذلك تعتبر الصين أن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضيها".
ولهذا فالموقف الروسي الحاد هذا من زيارة بيلوسي كان متوقعا تماما، كما يرى الخبير الاستراتيجي والأمني.
ويقول المومني: "إذا استمر التوتر الحالي دون إنفراج ما بين كل من واشنطن من طرف وكل من موسكو وبكين من طرف في التصاعد والتكرس أكثر، فإن ثمة فرصة قوية بنهاية المطاف لترسيخ الاصطفاف الروسي الصيني".
والسؤال الأبرز هنا بحسب الخبير السياسي هو: "كيف ينظر الصينيون لهذه الشراكة؟ بمعنى هل سيعتبرون الروس شريكا ندا لهم أم شريكا أصغر ؟، وهل المصالح الروسية الصينية المشتركة تفوق المصالح الأميركية الصينية؟".
تساؤلات حول الرد
من جانبه، يقول الكاتب والباحث السياسي، جمال آريز، في حوار مع موقع "سكاي نيوز عربية": "واضح تماما أن زيارة بيلوسي خدمت موسكو في سياق صراعها المحتد مع واشنطن، كونها ستدفع بالصين نحو الحضن الروسي والعلاقة أساسا تتسم بالمتانة بل ويمكن وصفها حتى بإنها تكاد تتحول لتحالف استراتيجي على وقع تحولات ما بعد حرب أوكرانيا".
ويضيف الباحث السياسي: "السؤال المطروح الآن بعد هذه المواقف الروسية الصارمة في دعم الصين في خلافها الحاد مع الولايات المتحدة، هو كيف سترد الصين على التحية الروسية هذه بأحسن منها؟".
ويختم آريز : "الصين رغم أنها لم تتعاط بانفعالية لحظية مع ما حدث على وقع زيارة بيلوسي لتايوان متحدية التحذيرات الصينية المتكررة، لكنها ستعكف ولا ريب من الآن وصاعدا على وضع خطط مجابهة جديدة للنفوذ الأميركي في حدائقها الخلفية وحول العالم، بالتعاون بالدرجة الأولى مع روسيا".