مع اقتراب دخول الهجوم الروسي على أوكرانيا شهره السادس، أعلنت موسكو عبر وزير الخارجية سيرغي لافروف، الأربعاء، أن الأهداف الجغرافية للعمليات العسكرية "تغيرت"، ولم تعد مقتصرة على منطقة دونباس في الشرق الأوكراني.
ويرى مراقبون وخبراء عسكريون أن هذا الإعلان الروسي مؤشر على أن الصراع في طريقه للتحول إلى "حرب استنزاف" وكر وفر طويلة الأمد، وأن توسيع نطاق أهداف السيطرة الروسية جغرافيا يعني أن موسكو ربما ستعمل على إعادة تفعيل سيناريو محاولة التمدد والسيطرة على مناطق مختلفة ومترامية من أوكرانيا، وليس الاكتفاء فقط بالشرق وبأجزاء من الجنوب.
وقد تتجه البوصلة الروسية أكثر من الآن وصاعدا نحو شمالي وغربي أوكرانيا، مما قد يقود لتعقيد الصراع أكثر وتوسعه، وتاليا مضاعفة التداعيات الثقيلة لهذه الحرب على أمن العالم واستقراره، لا سيما في مجالات الغذاء والطاقة.
ويقول الخبير العسكري الباحث المتخصص بالشؤون الدولية محمد صالح الحربي، إن الهدف الأول لروسيا كان السيطرة على دونباس شرقا، "لكن رويدا رويدا توسعت رقعة المناطق التي عملت موسكو على بسط سيطرتها عليها جنوبا وغربا، مثل الشريط على بحر آزوف وخيرسون وماربويول وغيرها".
وأضاف في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية": "هناك الآن طوق وحصار روسي يمتد من خاركيف بالشرق وصولا للجنوب والشريط البحري على البحر الأسود، والآن هناك تلويح أوكراني بالرد، خاصة في الجنوب، وحتى بضرب الجسر الرابط بين شبه جزيرة القرم وروسيا البالغ طوله 19 كيلومترا، وهو طريق حيوي واستراتيجي لتقل الإمدادات العسكرية واللوجستية للقوات الروسية في أوكرانيا".
ويضيف الحربي: "هذا التوسيع الروسي للجبهات والإعلان عن عدم الاكتفاء بالشرق، خطوة ولا شك لكسب أوراق ضغط وقوة إضافية روسية، لكن مع ذلك فإن الهدف الروسي لم يتحقق كاملا بعد وهو السيطرة التامة على دونباس والواجهة البحرية الأوكرانية على البحر الأسود، وكلام لافروف في هذا الصدد ربما يعكس تصميم الروس على تحقيق ذلك بالفعل خلال المرحلة المقبلة، وليس فقط التلويح به كورقة ضغط وردع".
ومن جهة أخرى، يقول الخبير الأمني والاستراتيجي حسن المومني إن "ما يجري الآن هو صراع حلزوني عبر تبادل خطوات التصعيد المتبادلة بين الروس من جهة والأوكرانيين والغربيين من جهة أخرى، حيث لا شك أن تزويد كييف بالأسلحة الغربية النوعية والبعيدة المدى عقد مسار العمليات الروسية وعرقلها، حيث باتت أوكرانيا تمتلك أسلحة قادرة على إصابة أهداف ومراكز روسية بعيدة، وهو ما دفع لافروف لإطلاق هذا التصريح والقول إن روسيا ستصعد على وقع ذلك، وستوسع نطاق سيطرتها الميدانية لتطال مختلف مناطق أوكرانيا".
ويردف الخبير الاستراتيجي في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية": "الصراع طويل ومعقد، لهذا قد نشهد قريبا تزويد الغرب لأوكرانيا بأسلحة أبعد مدى وأكثر ردعا وفاعلية، ففي الفترة الأخيرة تم تزويدها بقاذفات صواريخ ومدفعيات بعيدة المدى قادرة على الوصول لمناطق السيطرة الروسية بأوكرانيا، وموسكو تقول صراحة إن ذلك سيطيل أمد الحرب وسيدفعها للرد، ولعل هذه العوامل مجتمعة تفسر سبب تصاعد وتيرة العمليات العسكرية والاستهدافات المتبادلة مؤخرا بين الجيشين الروسي والأوكراني".
وجاءت تصريحات الوزير الروسي عبر وكالة الأنباء الروسية "ريا نوفوستي"، التي نقلت عنه قوله: "الأهداف الجغرافية للعمليات الخاصة في أوكرانيا تغيرت من لوغانسك ودونيتسك (شرقا) إلى مناطق أخرى".
وأضاف: "الأمر يتعلق أيضا بمنطقة خيرسون ومنطقة زابوروجيا وعدد من المناطق الأخرى. هذه العملية مستمرة وستستمر".
وأكد وزير الخارجية الروسي أنه "إذا سلم الغرب أسلحة طويلة المدى لكييف فسنطور أهدافنا الجغرافية في أوكرانيا إلى مناطق أوسع، لأننا لا نستطيع أن نسمح للجزء الأوكراني الذي سيسيطر عليه (الرئيس الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي أو أي شخص يحل محله، أن تكون لديه أسلحة من شأنها أن تشكل تهديدا مباشرا على أراضينا وأراضي الجمهوريات التي أعلنت استقلالها".
وقبل أيام، أمرت روسيا كافة قواتها الموجودة على الأراضي الأوكرانية بتصعيد وتيرة عملياتها لمنع هجمات أوكرانية "وشيكة" على الجنوب وبقية المناطق التي تسيطر عليها القوات الروسية، فيما قال مسؤول عسكري أوكراني إن موسكو تستعد للمرحلة التالية من هجومها.
وعلى مدى 5 أشهر، مرت الحرب الروسية الأوكرانية بمرحلتين، الأولى محاولة موسكو السيطرة على العاصمة كييف وبعض مدن الشمال غير أنها لم تفلح في ذلك، ثم الثانية التي ركزت خلالها جهودها على الشرق وحققت فيها نجاحات كبيرة ميدانيا.