وسط أزمة حادة سياسيا واقتصاديا تكاد تدفع سريلانكا نحو حافة الهاوية، يتنافس 3 مرشحين نالوا ثقة البرلمان السريلانكي الأربعاء لخلافة الرئيس السريلانكي السابق غوتابايا راجاباكسا، الذي لاذ بالفرار لخارج البلاد بعد استقالته الأسبوع الماضي، على خلفية تصاعد الأزمة الاقتصادية والتي فجرت غضبا شعبيا عارما عليه.
وسيتنافس الرئيس بالإنابة رانيل ويكريميسينغه مع كل من وزير التعليم الأسبق دولاس ألاهابيروما والذي يحظى بدعم المعارضة، والزعيم اليساري أنورا ديساناياكي.
وسمى نواب البرلمان المرشحين الثلاث رسميا خلال جلسة دامت أقل من 10 دقائق في مبنى البرلمان الخاضع لحراسة أمنية مشددة، والذين كان لافتا حين الكشف عن هوياتهم مفارقة أن فارق السن بين كل واحد منهم هو 10 سنوات.
فيما أعلن زعيم المعارضة ساجيت بريماداسا انسحابه من السباق الرئاسي لصالح ألاهابيروما (63 سنة) الذي انشق عن حزب راجابكسا الحاكم.
وذكرت مصادر سياسية بأنهما توصلا إلى اتفاق ينص على تولي أحدهما الرئاسة والثاني رئاسة الوزراء والعمل على تشكيل حكومة وحدة تخرج البلاد من أزمتها الاقتصادية الحادة.
لكن ويكريميسينغه (73 سنة)، وهو شخصية سياسية مخضرمة تولى رئاسة الوزراء 6 مرات، يحظى بدعم رسمي من قادة حزب راجابكسا الذي لا يزال الأكبر في البرلمان المتشكل من 225 عضوا، ما يجعل حظوظه هي الأعلى حسب محللين.
أما المرشح الثالث فهو أنورا ديساناياكي (53 سنة) زعيم حزب "جبهة تحرير الشعب" اليساري الذي يشغل حزبه 3 مقاعد في البرلمان.
وفشل مرشح رابع هو قائد الجيش السابق سارات فونسيكا في الحصول على دعم البرلمانيين لدخول معترك السباق الرئاسي.
وسيتولى الرئيس الجديد السلطة على مدى المدة المتبقية من ولاية راجابكسا التي تستمر حتى شهر نوفمبر 2024، والذي يواجه تركة ثقيلة في بلاد مفلسة ومضطربة على وقع تضافر الأزمات السياسية والاقتصادية، والتي زادتها تداعيات الأزمة الأوكرانية حدة وتعقيدا لدرجة إعلانها الإفلاس.
وتعليقا على مآلات أزمة سريلانكا وحظوظ المتنافسين على منصب رئاستها، يقول الكاتب والباحث السياسي جمال آريز، في حديث مع سكاي نيوز عربية: "الاحتمالات مفتوحة لكن ربما يحرز ألاهابيروما مفاجأة ويتمكن من الفوز سيما وأنه يحظى بدعم المعارضة، كما وأن خروجه من الحزب الحاكم يعطيه دفعة قوية في ظل ما حدث من رفض شعبي للرئيس السابق ولحزبه، ورغم أن المرشح اليساري قد يكون خطابه وتشخيصه هما الأقوى والأدق في توصيف الحال المزرية التي بلغتها البلاد، لكن احتمالات فوزه تبدو ضعيفة الآن وهذا قد لا ينطبق بالضرورة على الانتخابات القادمة بعد انتهاء فترة الولاية الرئاسية الحالية، خاصة إذا ما تواصلت الأزمة الاقتصادية حتى في حال انتخاب رئيس جديد مؤقت".
ويقول آريز: "سريلانكا كغيرها من بلدان آسيوية وإفريقية ولاتينية تتمتع بثروات وطاقات طبيعية وبشرية كبيرة، لكن سوء التخطيط والادارة وضعف تقاليد المشاركة الشعبية، وتفشي الفساد والارتهان للخارج وتدخلاته، تقود في الكثير من الأحيان لغرق مثل هذه الدول في أزمات الاحتراب الأهلي والانقسامات القبلية والاثنية والدينية، والإضطرابات السياسية والاقتصادية والأمنية، والنتيجة ما نراه مثلا في سريلانكا الآن".
بدورها تقول لانا بدفان الخبيرة الاقتصادية والباحثة بالعلاقات الدولية في حوار مع سكاي نيوز عربية: "تأزم الاقتصاد السريلانكي بشكل حاد يعود للعام 2009 إثر انتهاء الحرب الأهلية، حيث كانت البلاد بحاجة للكثير من الأموال للتعافي اقتصاديا، وذلك من خلال إصدار سندات مالية دولية ما قاد لتحميل سريلانكا قروضا خارجية طائلة، ولم تتمكن من سدادها فقامت بتأجير موانىء وأراضي سريلانكية لدول أخرى أوروبية وآسيوية، فمثلا قامت كولومبو بتأجير ميناء لمدة 99 عاما للصين والتي قامت باعادة هيكليته وتطويره بطريقة هندسية متطورة للغاية وفق السندات الإئتمانية بينها وبين سريلانكا، ولكن رغم كل ذلك لم تتمكن سريلانكا من سداد ديونها الخارجية الضخمة".
وجاءت أزمة كورونا لتكون القشة التي قصمت ظهر الاقتصاد السريلانكي، كما تشرح الخبيرة الاقتصادية قائلة: "ذلك أن البلاد تعتمد بشكل واسع جدا على القطاع السياحي الذي تضرر وإنكمش وتراجعت عائداته بنحو 5 مرات بفعل الجائحة، وعموما فالمشكلة العاصفة بسريلانكا الآن لا يمكن ردها مباشرة لتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وإنما هي تتعلق أساسا بالهيكلية والخطط الاقتصادية الفاشلة والخاطئة للبلاد وتفشي الفساد وما نجم عن كل ذلك من إضطراب سياسي وأمني بفعل التذمر والسخط الشعبيين الواسعين".
فيما يقول الخبير بالشؤون الآسيوية والدولية في معهد ستيمسون للأبحاث عامر السبايلة، في حديث مع سكاي نيوز عربية: "سريلانكا هي نموذج عن الكثير من الدول وخاصة النامية والفقيرة منها، والتي هي غير قادرة فعليا على إدارة أمورها ومعالجة مشكلاتها وأزماتها وخاصة الاقتصادية منها بفعل اعتمادها على الخارج".
واستدرك قائلا: "كما ولا ينبغي اغفال دور موقعها الجغرافي الهام ولا سيما في سياق التنافس الأميركي الصيني في مناطق شرق وجنوب آسيا، حيث تدفع دول مثل سريلانكا ثمن هكذا مواجهات ومنافسات بين القوى الدولية الكبرى، والتي تتحول لساحات وميادين لتلك المواجهات من بوابة الاقتصاد في أغلب الأحيان، وهكذا فالنموذج السريلانكي هذا مع الأسف قابل للانتشار والتكرار بين الكثير من الاقتصادات الهشة للدول الغير قادرة على تدبر شؤونها الداخلية بعيدا عن الاعتماد على القوى الخارجية".
يشار إلى أن الأزمة الاقتصادية، التي أدت إلى نقص حاد في الغذاء والدواء والوقود والكهرباء، نجحت في تحقيق ما لم تحققه أي جهود أو محاولات سابقة، إذ وحدت الغالبية العرقية السنهالية البوذية وأقليات التأميل والمسلمين - وهي المجموعات العرقية التي يصعب التوفيق بينها- في كراهية راجاباكسا ومحيطه.
وتعتمد الجزيرة التي يقطنها 22 مليون شخص على السياحة كمصدر دخل رئيسي، وهو القطاع الذي انهار إثر الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها سريلانكا عام 2019، ثم تبعات جائحة كورونا والأزمة الأوكرانية، ما أثر بشكل كبير على موارد الدولة، كما أدت أكبر تخفيضات ضريبية في تاريخ البلاد، منحها راجاباكسا عند توليه الرئاسة، إلى إفراغ خزائن الدولة.
وأصبحت طوابير الوقود التي تدوم لأيام أمرا معتادا في الدولة الجزيرة، وتضاءلت احتياطيات النقد الأجنبي لتقترب من الصفر مع بلوغ معدل التضخم الكلي 54.6 في المئة الشهر الفائت.