استضافت طهران، الثلاثاء، قمة ثلاثية قالت إنها تركز على الأزمة السورية، تجمع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بنظيريه الروسي فلاديمير بوتن والتركي رجب طيب أردوغان، إلا أن محللين اعتبروا أن "الأسباب الحقيقية للاجتماع أبعد بكثير من التنسيق بشأن سوريا".
وتأتي القمة بعد أيام من زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الشرق الأوسط، التي شملت إسرائيل والأراضي الفلسطينية والسعودية، ومشاركته في "قمة جدة للأمن والتنمية" التي ضمت بالإضافة للدولة المضيفة، دول الخليج العربية ومصر والعراق والأردن.
وتعد قمة طهران أول لقاء ثلاثي على مستوى الرؤساء منذ عام 2019، ضمن إطار "عملية أستانة للسلام" الرامية لإنهاء النزاع السوري المندلع منذ عام 2011.
وترى الخبيرة الأميركية المختصة في الشؤون الدولية والاستراتيجية إيرينا تسوكرمان، أن الأسباب الحقيقية للقمة أكثر تعقيدا بكثير من التنسيق بشأن سوريا، فهناك عدد من الاختلافات بين الدول الثلاث حول هدف كل دولة في سوريا.
وأضافت تسوكرمان لموقع "سكاي نيوز عربية": "القمة شملت مداولات أمنية واقتصادية وموازنة بين الاهتمامات الوطنية والأجندات الجيوسياسية الأوسع لكل دولة. البلدان الثلاثة تتطلع إلى زيادة النفوذ لأسبابها الخاصة، لكنها على استعداد للتعاون ضد الغرب كلما كان ذلك ممكنا".
وتابعت: "تتلقى دمشق دعم كل من روسيا وإيران، في مقابل ذلك تسيطران على جوانب مختلفة من الأراضي والاقتصاد السوري، ولديهما مصالح كبيرة في القواعد البحرية والسيطرة البحرية في ذلك الجزء من العالم، فيما تعارض تركيا بشكل عام الرئيس بشار الأسد لكنها تصالحت مع وجوده، وباتت تتمتع بسيطرة قوية في إدلب حيث تتجول العديد من القوات الموالية لها بحرية، كما أنها تدعم فصائل تعمل بشكل أساسي ضد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، وينصب اهتمامها الأساسي على تعطيل النشاط الكردي خاصة على الحدود".
وأشارت إلى أن "أزمة أوكرانيا كانت أولوية على طاولة الاجتماع الثلاثي. لإيران أيضا مصلحة استراتيجية فيما ستؤول إليه حرب أوكرانيا، فهي تدعم جهود روسيا هناك لكنها تسعى إلى تجنب المواجهة المباشرة مع تركيا، التي زودت أوكرانيا بطائرات بيرقدار القاتلة بدون طيار، وفي الوقت نفسه، تحتفظ تركيا بتنسيق أمني وثيق مع إيران بشأن القضايا الكردية وغيرها".
ولفتت المتحدثة إلى أن "الاجتماع شهد تنسيقا بين الدول الثلاث أيضا بشأن قضايا أمنية أخرى في المقام الأول ضد الكتلة الغربية، حيث حاولت روسيا مرارا إضعاف نفوذ الناتو من خلال مبيعات الأسلحة وغيرها من المعاملات مع تركيا"، إضافة إلى "تطورات الأوضاع في جنوب القوقاز لا سيما أذربيجان الواقعة بين البلدان الثلاثة".
وأوضحت تسوكرمان أن "أذربيجان الآن تشكل تحديا لإيران وروسيا، بسبب دورها في موازنة أزمة الطاقة كحليف غربي قد يحل معضلة الغاز في أوروبا".
وفي السياق ذاته، قال الأكاديمي المتخصص بالشؤون الدولية طارق فهمي إن "العنوان الأبرز للقمة كان سوريا، فهناك هدف معلن هو خفض التوتر هناك، لكن الاجتماع لم يتناول الأزمة السورية فقط، حيث بحث القادة أيضا الأزمة الأوكرانية وتداعياتها على أمن الغذاء، وكذلك التخوفات من تهديد تركيا بشن عملية عسكرية شمال سوريا".
وأضاف فهمي لموقع "سكاي نيوز عربية": "بوتن التقي أيضا المرشد الإيراني علي خامنئي، وهي رسالة مهمة لتأكيد التعاون بين البلدين وفي أذهان الطرفين تداعيات زيارة الرئيس الأميركي للمنطقة".
وأوضح أن "اللقاء الثلاثي يأتي في ظل تهديد الرئيس التركي بشن عملية عسكرية شمال سوريا، لأن هناك تحفظات من إيران وروسيا أكبر دولتين داعمتين لدمشق".
وأشار الأكاديمي إلى أن زيارة بوتن إلى إيران تحظى باهتمام كبير، في ظل تحذيرات أميركية من مخطط إيراني لتزويد روسيا بمئات من الطائرات المسيرة لاستخدامها في الحرب الأوكرانية، كما أن إيران تراهن على أنها تمارس ضغطا بدعم من موسكو على واشنطن، لتقديم تنازلات في الملف النووي.
وخلال لقائه بوتن، اعتبر المرشد الإيراني حلف شمال الأطلسي (ناتو) كيانا "خطيرا"، مؤكدا أنه "إذا كان الطريق مفتوحا أمامه فهو لا يعرف حدودا، وإذا لم يتم إيقافه في أوكرانيا لكان سيبدأ الحرب بحجة شبه جزيرة القرم".
وحول الأزمة السورية، دعا خامنئي إلى "تعاون طويل الأمد بين إيران وروسيا يجب أن يصل إلى ذروته في هذه الفترة"، وحث الرئيس الروسي على ضرورة اليقظة مما وصفه بـ"خداع الغرب والأميركيين"، مذكرا إياه بأن أحد أسباب انهيار الاتحاد السوفيتي السابق كان "خداعه من قبل واشنطن".
كما أعلن المرشد الإيراني موافقته على سياسة إحلال العملات الوطنية في المبادلات بين البلدين واستخدام عملات أخرى بدلا من الدولار، قائلا: "يجب إبعاد العملة الأميركية تدريجيا عن مسار المعاملات العالمية، وهذا ممكن".