في تطور نوعي، حثت نائبة رئيس الوزراء الأوكراني إيرينا فيريشوك، المدنيين في منطقة خيرسون الجنوبية التي تسيطر عليها روسيا، على الإجلاء العاجل، لإمكانية شن هجوم مضاد اعتبره محللون "محاولة لرفع الروح المعنوية بعد خسارات متتالية، والتأكيد على الصمود، وكذلك استغلال الأسلحة الغربية الثقيلة".
وفقدت أوكرانيا السيطرة على معظم خيرسون المطلة على البحر الأسود، بما في ذلك عاصمتها التي تحمل اسمها، في الأسابيع الأولى من الهجوم الروسي الذي بدأ في 24 فبراير الماضي، وكان يسكن المنطقة قبل الحرب قرابة 300 ألف نسمة.
وقالت فيريشوك للتلفزيون الوطني: "من الواضح أنه سيكون هناك قتال وسيكون هناك قصف مدفعي. ولذلك نحث السكان على الإخلاء بشكل عاجل"، مؤكدة أنها لا تستطيع تحديد توقيت وقوع الهجوم المضاد.
وذكرت السلطات في خيرسون التي عينتها موسكو، أنها تريد إجراء استفتاء حول الانفصال عن أوكرانيا للانضمام إلى روسيا، لكنها لم تحدد موعدا بعد، ويقول الكرملين إن مستقبل المنطقة "يجب أن يقرره سكانها".
وترى الخبيرة الأميركية المختصة في الشؤون الأمنية والاستراتيجية إيرينا تسوكرمان، أن خيرسون كانت واحدة من 3 مدن استراتيجية في أوكرانيا بالنسبة لروسيا، و"سقطت في الأيام الأولى للحرب".
وأضافت تسوكرمان لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "مطالبة أوكرانيا بضرورة مغادرة سكان خيرسون تشير إلى هجوم محتمل في المستقبل القريب بقصد تحرير الأراضي، سيترتب عليه تصعيد استخدام القوة والأسلحة الهجومية الفتاكة، مما قد يكون خطرا كبيرا على السكان المدنيين".
وأوضحت أنه "رغم الخسائر الأخيرة، فإن الروح المعنوية للأوكرانيين تبدو مرتفعة بما يكفي لمحاولة مناورة هجومية خطيرة واستعادة مبادرة القتال في الجنوب. مثل هذا التطور، في حالة النجاح، من شأنه أن يعزز الروح المعنوية للقوات الأوكرانية الأخرى والمدنيين على حد سواء، ويحدث هزة كبيرة للكرملين".
وأشارت الخبيرة الأميركية إلى أن "موازين القوى تتأرجح في أجزاء مختلفة من البلدان. وتبدو الطائرات من دون طيار الشهيرة من طراز بيرقدار التي أثبتت أهميتها في الأيام الأولى من الحرب، أقل فاعلية الآن، حيث تعمل روسيا على تكثيف دفاعاتها الجوية الإلكترونية".
و"من ناحية أخرى، فإن روسيا، التي حُرمت الوصول إلى العديد من المكونات الرئيسية للأسلحة التي تنتجها، تضطر بشكل متزايد إلى الاعتماد على الأسلحة التي عفا عليها الزمن ودون المستوى، بينما تواصل أوكرانيا تلقي أسلحة متطورة بشكل متزايد".
وتابعت تسوكرمان: "من وجهة النظر الاقتصادية، تجني روسيا ما يكفي من المال من مبيعات الطاقة لتعويض تكاليف الحرب، بينما تعتمد أوكرانيا إلى حد كبير على المساعدات، لكن بذل جهد لتحرير الأراضي يشير إلى التزام جاد بالبقاء والصمود".
ولفتت إلى أنه "إذا نجحت أوكرانيا في استعادة السيطرة على خيرسون، فقد يتبع ذلك سيناريوهان، قد تستأنف روسيا قريبا هجوما مضادا لاستعادة المدينة، وعند هذه النقطة لا يخمن أي شخص ما إذا كانت ستكرس وقتا وموارد كافية لهذا الجهد، أم أنها ستقلص خسائرها، مؤقتا على الأقل، لإعادة التجمع في مكان آخر، ربما في المناطق الأكثر تباينا مثل الشرق، التي تحتاج موسكو إلى توحيدها للنجاح في إنشاء سيطرة إقليمية متصلة لشبه جزيرة القرم ومولدوفا".
وحسب المحلل المتخصص في الشؤون الأمنية والاستراتيجية ليون رادسيوسيني، فإن نجاح الهجوم المضاد يعتمد على أمرين هما الروح المعنوية وأنواع الأسلحة التي تملكها القوات الأوكرانية.
وأضاف رادسيوسيني في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه "قد يتغير كلاهما على مدار حرب ممتدة، وهو ما نراه يحدث، لكن التطورات غير المتوقعة قد تعزز أو تعطل مسارا معينا لصالح أي من الطرفين بشكل غير متوقع".
ولفت إلى أن كييف أطلقت بالفعل هجمات مضادة في مقاطعتي زابوريجيا وخيرسون، مما أجبر الجيش الروسي المنهك على اتخاذ موقف دفاعي.
وأوضح أنه "حال حدوث نجاح أوكراني كبير في خيرسون، من المرجح أن يلهم كييف لمحاولة اتخاذ خطوات جريئة مماثلة لاستعادة مناطق أخرى".
وتقع خيرسون إلى الجنوب من أوكرانيا، وتعتبر ميناء مهما ورئيسيا على البحر الأسود، وهي عاصمة مقاطعة خيرسون المتاخمة لشبه جزيرة القرم، التي سيطرت عليها روسيا عام 2014.
وتكمن أهميتها في كونها تقع على مصب نهر دنيبرو، وتطل على بحر آزوف من الجنوب الشرقي، والبحر الأسود من الجنوب الغربي، علاوة على أنها تشكل بذلك حلقة وصل بين شبه جزيرة القرم وإقليم دونباس، وكذلك تمتلك أكبر ميناء في أوكرانيا لبناء السفن، وهي مركز رئيسي للشحن.