لا ينفك شبح الحرب النووية على وقع الأزمة الأوكرانية من الإطلال برأسه، قاضا مضاجع العالم أجمع.
وفي آخر حلقات سلاسل التحذير من هذه الحرب والتلويح بها، ما صرح به الرئيس الروسي السابق النائب الحالي لرئيس مجلس الأمن القومي دميتري ميدفيديف، عندما قال إن "محاولات الغرب لمعاقبة قوة نووية مثل روسيا قد تعرض البشرية للخطر".
كما قال ميدفيديف إن محاولات استخدام المحاكم أو الهيئات القضائية للتحقيق في تصرفات روسيا في أوكرانيا "ستكون عقيمة وتهدد بحدوث دمار عالمي".
وصور الرئيس الروسي السابق الولايات المتحدة على أنها "إمبراطورية سفكت الدماء في أنحاء العالم"، مستشهدا بمقتل الأميركيين الأصليين والهجمات النووية الأميركية على اليابان ومجموعة من الحروب من فيتنام إلى أفغانستان.
ويرى مراقبون أن استمرار الحرب في أوكرانيا على مدى يقترب من نصف عام، وما تخلفه من أزمات دولية حادة وعقوبات متبادلة بين الروس والغربيين، يهدد بالفعل بتصاعد احتمالات تطور المواجهة الروسية الغربية الحالية نحو عواقب أكثر كارثية، مشيرين خصوصا إلى سيناريو الحرب النووية.
ويقول الكاتب والباحث السياسي جمال آريز إن "تصريحات ميدفيديف بالنظر لحجم الأزمة الحالية وتعقيداتها تبدو واقعية تماما ولا تنطوي على تهويل، حيث إن إطالة أمد الصدام وتوسعه وتبادل الاستفزازات والإجراءات العقابية بين روسيا والغرب قد يؤدي إلى الانزلاق في لحظة ما نحو حرب عالمية مدمرة قد تتحول لنووية حتى".
ويضيف آريز في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية": "لا شك أن العواقب المرعبة قد تقود إلى استبعاد مثل هذا السيناريو بشكل، لكننا مع ذلك إزاء تصعيد مخيف وغير مسبوق منذ أكثر من نصف قرن بين موسكو وواشنطن، ويمكن تاليا لشرارة صغيرة أن تشعل نار حرب كارثية".
وحسب الباحث السياسي، فإن "إقحام المحاكمة الدولية في موضوع الحرب الروسية الأوكرانية تعقيد للأزمة أكثر، ولا يسهم في انفراجها، فنحن نتحدث عن روسيا وليس عن دولة ضعيفة. دولة تتمتع بحق النقض في مجلس الأمن وتحظى بثقل سياسي واقتصادي وعسكري كبير جدا، بدلالة ما جرته سياسة فرض العقوبات الغربية عليها من أزمة غذاء وطاقة عالمية، ولهذا فمن العبث التعاطي معها وفق منظور المحاكمة والمعاقبة".
واستدرك آريز: "في الحروب لا سيما الكبيرة منها والمتداخلة مع جملة ملفات وحسابات جيوسياسية واستراتيجية معقدة كما هي حال الحرب الأوكرانية، تحدث ولا ريب انتهاكات لحقوق الإنسان ولقوانين الحرب، لكن في ظل تبادل طرفي النزاع الاتهامات بارتكاب جرائم حرب واستهداف مدنيين وتجمعات سكنية، فإن المشهد يتشابك تماما وتضيع التفاصيل والحقائق وسط غبار المعارك وركامها وتحت أنقاضها".
لكن في المقابل، يرى الخبير الاستراتيجي الزميل غير المقيم في معهد ستيمسون الأميركي للأبحاث عامر السبايلة، أن "الحرب الآن بين الطرفين الروسي والغربي أقرب لفكرة الحرب الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية، لهذا يرشح الآن سيناريو التجريم والمحاكمة الدولية، الذي سيضيق الخناق أكثر على روسيا حال تطبيقه وترجمته عمليا، ووقتها لن يفيدها التلويح بحرب نووية هي عاجزة في الواقع عن القيام بها".
ويضيف السبايلة في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية": "متوقع تماما أن تتطور سبل وآليات المواجهة الغربية مع روسيا، من فرض العقوبات والعزلة عليها، إلى التجريم وتحميل موسكو عبء جرائم وانتهاكات ارتكبت خلال الحرب الأوكرانية المتواصلة منذ أشهر".
و"عليه فتحذير موسكو من مغبة العبث مع روسيا يبدو تلاعبا تهويليا بالكلمات، حيث إن العبث معها قد تحقق بالفعل وطبقت عليها عقوبات وفرضت عليها عزلة واسعة، رغم كونها دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي"، وفقا لرأي السبايلة.
وفي السياق ذاته، يقول الباحث الخبير في الشأن الروسي مسلم شعيتو، إنه "مع الأسف، واشنطن تسيطر الآن على العديد من المؤسسات والمنظمات الدولية التي تشكلت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وفي فترة الحرب الباردة، ومع انهيار الاتحاد السوفييتي باتت الولايات المتحدة تفرض سطوتها الأحادية وتملي شروطها على مثل تلك المؤسسات، حيث إن إتهام روسيا بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا ركيك ولا يستند لوثائق وحجج قانونية دامغة، في حين أن كل ما يحدث بأوكرانيا هو في الواقع نتاج تراكمات الانقلاب الذي وقف الغرب وراءه عام 2014، بهدف تحويلها لمنصة أطلسية معادية لجارتها روسيا".
ويضيف شعيتو في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية": "الدول الغربية لديها باع طويل في تحريف الوقائع وفبركة الاتهامات لدول خارج منظومتها، والتغطية على ما ارتكبته وترتكبه هي من فظاعات، كضرب واشنطن مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيين بقنبلتين نوويتين في الأربعينات، وليس انتهاء بقصف حلف الناتو ليوغوسلافيا على مدى أشهر في التسعينات".