فيما تواصل القوات الروسية التقدم في سعيها لبسط سيطرتها على شرقي أوكرانيا ومناطق واسعة من جنوبها، أعلنت وزارة الشؤون الداخلية بجمهورية دونيتسك الشعبية الانفصالية المعلنة من طرف واحد الموالية لموسكو، بدء إصدار جوازات سفر روسية في عاصمة "الجمهورية" مع بداية شهر يوليو الجاري.
وقالت الوزارة في منشور عبر تطبيق "تلغرام"، الجمعة: "ابتداء من شهر يوليو، انطلق إصدار جوازات سفر روسيا الاتحادية".
ويرى مراقبون وخبراء أن هذا الإعلان مؤشر قوي على أن مرحلة الضم الفعلي والرسمي لهذه المناطق الشرقية والجنوبية بأوكرانيا لروسيا قد بدأت، حيث يسيطر عليها الجيش الروسي والقوات الحليفة له فيها.
ويبدو أن الأمر لم يعد مقتصرا على ضمان حماية جمهوريتي دونباس اللتين اعترفت بهما موسكو قبيل بدء الحرب كما كانت تشدد روسيا، بل إن دونيتسك ولوغانسك في طريقهما لإعلان انضمامها إلى روسيا الاتحادية، وهو ما سينسحب، وفق المحللين، على بقية المناطق الأوكرانية الواقعة تحت السيطرة الروسية، مثل خيرسون التي وصل الأمر فيها لحد إعلان إدارتها المحلية الموالية لموسكو، عن الإعداد قريبا لإجراء استفتاء شعبي بها على ضمها لروسيا.
وحول هذه التطورات المتسارعة التي تؤشر لقرب بدء عملية ضم مناطق شرق وجنوب أوكرانيا للأراضي الروسية، وما يعنيه ذلك من "تقسيم"، يقول الدبلوماسي السابق الخبير في الشؤون الدولية مسعود معلوف: "علينا العودة لخطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتن عشية بدء الحرب، عندما أعلن أن أوكرانيا لم تكن يوما دولة مستقلة وقائمة بذاتها، وأنه سيشن عملية عسكرية خاصة دفاعا عن دونباس، مؤكدا أن أوكرانيا كانت دوما جزءا من روسيا، وليعلن اعترافه بدونيتسك ولوغانسك".
وأضاف معلوف في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية": "بوتن كان يهدف بداية لضم كامل أوكرانيا أو على الأقل فرض الوصاية الروسية عليها، لكن مع تعثر ذلك بدأت موسكو باعتماد سلسلة إجراءات في المناطق التي سيطرت عليها شرقي وجنوبي أوكرانيا، لفرض الأمر الواقع الروسي فيها، وهذا الإجراء عبر طبع وإصدار جوازات السفر الروسية داخل جمهورية دونيتسك يندرج بهذا السياق".
فهل هذا مقدمة لضم دونيتسك ولوغانسك وبقية المناطق المشابهة إلى روسيا؟
يقول معلوف: "مع عدم تمكن موسكو من السيطرة على كييف وبسط سيطرتها على كامل أوكرانيا وإسقاط رئيسها فولوديمير زيلينسكي، فإنها شرعت في اعتماد سياسة القضم التدريجي لمناطق واسعة في الشرق والجنوب الأوكرانيين لتحقيق انتصار ما، وهي تسيطر الآن وبالفعل على نحو 90 بالمئة من إقليم دونباس شرق أوكرانيا".
لكن "الغرب لن يقبل بسيطرة روسيا على كامل أوكرانيا"، وفق الدبلوماسي السابق، الذي يتابع: "هو لا يرغب في دخول حرب مع روسيا ولا الأخيرة راغبة بهذا، وبالتالي فالأرجح أن يمرر سيناريو ضم مناطق واسعة من شرق أوكرانيا، مثل دونباس ومن جنوبها مثل خيرسون وماريوبول لروسيا، باستثناء مدينة أوديسا التي على الأرجح لن يسمح الغرب بسيطرة روسيا عليها، كونها مرفأ بحريا بالغ الأهمية لتصدير الحبوب والغلال والسلع من أوكرانيا للخارج".
ويسترسل معلوف: "هكذا سيعلن بوتن تحقيق أهدافه، ليست الكبرى التي أعلنها بداية الحرب، لكنه سيتفاخر بما حققه في مناطق مثل دونباس، وبالتالي غالبا ستنقسم أوكرانيا في نهاية الحرب، بين قسم شرقي ومعه شطر كبير من الجنوب يلتحق بروسيا، وبقية المناطق ستبقى كدولة أوكرانية، وهكذا ستبقى هذه المشكلة بمثابة بؤرة توتر طويلة الأمد حالها حال مشكلة شبه جزيرة القرم".
وكانت الإدارة المحلية الموالية لموسكو في منطقة خيرسون جنوبي أوكرانيا، قد منحت في وقت سابق أول جواز سفر روسي، واستلم العشرات فيها وثائق هوية روسية، من بينهم رئيس الإدارة العسكرية المدنية للمنطقة فلاديمير سالدو.
واعترفت موسكو بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك المعلنتين من جانب واحد، قبل يومين فقط من بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في يوم 24 من شهر فبراير الماضي.