بادرت موسكو وبكين، مؤخرا، إلى الرد، على وقع التغييرات التي أدخلها حلف شمال الأطلسي (الناتو) خلال قمته الأخيرة في مفاهيمه وسياساته الاستراتيجية، عبر إعلانه أن روسيا تمثل "التهديد الأكبر والمباشر" لسلام وأمن أعضائه، واعتباره أن الصين تشكل تحديا لمصالح دول التحالف وأمنها.
وردت روسيا والصين باتهام الكتلة الأطلسية بالتوسعية وفرض الأحادية القطبية والعمل على افتعال الأزمات حول العالم.
ويرى مراقبون أن المفهوم الاستراتيجي الجديد للناتو سيدفع الدب الروسي والتنين الصيني لتعزيز تحالفهما ووقوفهما سوية في وجه حلف الناتو، وربما الذهاب حتى نحو تحويل ما أسماه بيان الناتو شراكتهما الاستراتيجية لتحالف استراتيجي، مما سيشكل تحديا مركزيا ووجوديا للكتلة الأطلسية حول العالم.
وتعليقا على إعلان المفهوم الاستراتيجي الجديد للناتو وانعكاساته على تسعير الصراع الأطلسي مع روسيا والصين، يقول الخبير العسكري والاستراتيجي محمد الحربي، في حديث لسكاي نيوز عربية :"الصين وروسيا، أعلنتا صراحة رفضهما لتوسع حلف الناتو شرقا وسعيهما لبناء نظام عالمي متعدد الأقطاب، ليس الآن فقط وإنما حتى قبل بدء الحرب بأوكرانيا، وتحديدا في يوم 4 فبراير خلال القمة بين الرئيسين الروسي والصيني في بكين".
"مواقف حادة"
وأضاف أن ما يزيد من حدة المواقف الصينية والروسية المنتقدة والرافضة بشدة لمخرجات القمة الأطلسية الأخيرة في مدريد، هو أن عملية توسع الناتو نحو الشرق متواصلة لا سيما مع قبول انضمام كل من السويد وفنلندا للحلف، حيث سيصبح بذلك طول حدود الناتو مع روسيا أكثر من 2600 كيلومتر".
واستدرك :"لا ننسى أن الصين هي الشريك التجاري الأول لكل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، لكن مع ذلك فإن قواعد الاشتباك وصراعات النفوذ دخلت طورا جديدا خاصة مع التصنيف الأطلسي الجديد لروسيا والصين، وهكذا فنحن حيال احتمالات خطيرة لتصاعد وتائر الصراع المحتد بين الناتو من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى، وبأدوات متشعبة سياسيا وعسكريا بالوكالة في أوكرانيا وتايوان، ومعلوماتيا واقتصاديا".
نقطة تحول
بدوره يقول علي يحيى الباحث المتخصص في العلاقات الدولية، في حديث لسكاي نيوز عربية "ما حدث في قمة الناتو الأخيرة هو نقطة تحول كبيرة، بالتوازي مع قبول عضوية السويد وفنلندا، وبالتالي إضافة 1300 كم لحدود الحلف مع روسيا، وذلك بعد قرارات غير مسبوقة منذ عقود، نتج عنها وفق توصيف ستولتنبرغ أكبر مشروع إصلاح جماعي دفاعي للحلف، وتحويل روسيا من مشروع شريك، لتهديد جيوسياسي وعسكري، وتصنيف الصين بالدرجة الثانية كتحد كبير، مما يرفع سقف المنافسة بين الدول العظمى".
يضيف الخبير في العلاقات الدولية أن هذه القرارات ستزيد"بلا شك من عسكرة الكوكب، وهذا التطور ترى بكين وموسكو أنه سيساهم في زيادة التوتر عالميا، ويبدو بطبيعة الحال أنه سيواجه بخطوات وإجراءات مضادة من جانبهما، في سياق رفض الصينيين والروس القاطع لفرض نموذج حكم أحادي غربي للعالم".
في غضون ذلك، كانت الصين قد اتهمت الحلف العسكري الغربي "بمهاجمتها وتشويه سمعتها بشكل خبيث".
وقالت بعثتها الدبلوماسية لدى الاتحاد الأوروبي إن الناتو "يدعي أن دولا أخرى تشكل تحديات، لكن الناتو هو الذي يخلق مشكلات في جميع أنحاء العالم".
وأصدر الحلف خلال قمته في مدريد تحذيرا صارخا من أن العالم قد دخل مرحلة خطيرة من المنافسة بين القوى العظمى.
كما اعتبر حلف شمال الأطلسي أن الصين تشكل "تحديا لمصالح" دول الناتو و"أمنها" في خريطة الطريق الاستراتيجية الجديدة التي اعتمدها خلال قمة مدريد.
وقال الحلف في هذا "المفهوم الاستراتيجي"، أن "طموحات الصين المعلنة وسياساتها القسرية تتحديان مصالحنا وأمننا وقيمنا"، مدينا "الشراكة الاستراتيجية" بين بكين وموسكو ضد "النظام الدولي".
وهذه المرة الأولى التي تذكر فيها هذه الوثيقة الصين التي لم تدرج تاريخيا ضمن مهمة حلف الناتو.
وأدان الناتو "الشراكة الاستراتيجية العميقة" بين بكين وموسكو، و"محاولاتهما المتبادلة لتقويض النظام الدولي القائم على القواعد".
وأضاف البيا: "تستخدم الصين مروحة واسعة من الأدوات السياسية والاقتصادية والعسكرية لزيادة نفوذها الدولي، فيما تبقى غامضة حول استراتيجيتها ونياتها وتعزيزها العسكري".