أثار اعتبار حلف شمال الأطلسي "ناتو"، أن الصين تشكل "تحدياً لمصالح دول الحلف وأمنها"، اهتماما دولياً متزايداً منذ الكشف عن خريطة الطريق الاستراتيجية الجديدة، التي جرى اعتمادها في قمة مدريد الأخيرة.
واعتبر مراقبون أن التوجه الجديد للناتو تجاه الصين بمثابة تحول استراتيجي للعلاقات، خاصة في ظل الرغبة الأميركية المستمرة لمواجهة النفوذ الصيني ووقف توسعه، وكذلك الحد من تعاونها مع روسيا.
وأدرج الناتو، الصين في وثيقة المفهوم الاستراتيجي الجديد التي اعتمدها في مدريد، وهي التي تحدد المبادئ التوجيهية لسياسة الحلف، وكان آخر تحديثاتها عام 2010.
وقال الحلف في الوثيقة إن "طموحات الصين المُعلنة وسياساتها القسرية تتحديان مصالحنا وأمننا وقيمنا"، مضيفاً أن بكين "تستخدم مروحة واسعة من الأدوات السياسية والاقتصادية والعسكرية لزيادة نفوذها الدولي.. فيما تبقى غامضة بشأن استراتيجيتها ونياتها وتعزيزها العسكري".
وأشار إلى الهجمات السيبيرانية الصينية "سيئة النية"، ونشر "المعلومات المضللة" و"أدبيات المواجهة"، موضحًا أن بكين "تستخدم نفوذها الاقتصادي لخلق تبعية استراتيجية، ولتعزيز نفوذها، وتسعى جاهدة لتقويض النظام العالمي القائم على قواعد، بما في ذلك في المجالات الفضائية، والسيبرانية، والبحرية".
وهذه المرة الأولى التي تذكر فيها هذه الوثيقة الصين التي لم تدرج تاريخيا ضمن مهمة حلف شمال الأطلسي.
وقال الأمين العام للناتو، ينس ستولتنبرغ، إن "الصين ليست خصما، لكن يجب أن نأخذ في الاعتبار العواقب على أمننا عندما نرى أنها تستثمر بكثافة في معدات عسكرية جديدة"، ومحاولة "السيطرة على بنى تحتية أساسية مثل شبكات الجيل الخامس (5 جي)".
رد على "تشويه السمعة"
ولم يمض الكثير من الوقت حتى اتهمت الصين الحلف العسكري الغربي "بمهاجمة الدولة وتشويه سمعتها بشكل خبيث".
وقالت بعثتها الدبلوماسية لدى الاتحاد الأوروبي إن الناتو "يدعي أن دولا أخرى تشكل تحديات، لكن الناتو هو الذي يخلق مشكلات في جميع أنحاء العالم".
كما قال المتحدث باسم الخارجية الصينية، جاو ليجيان، إن "هذه الوثيقة المزعومة حول مفهوم استراتيجي لحلف شمال الأطلسي لا تمت للواقع بصلة وتعرض الوقائع بشكل معاكس، وتمعن في تشويه صورة سياسة الصين الخارجية".
وأشار "ليجيان" في مؤتمر صحفي، إلى أن "تضخيم تهديد الصين المزعوم عقيم كلياً (...) والحلف يشكل التحدي الفعلي للسلام والاستقرار العالميين".
وأوضح الدبلوماسي الصيني أن "الناتو صرح علنًا في مناسبات عدة أنه سيظل تحالفًا إقليميًا، ولا يسعى إلى اختراق جيوسياسي ولا يسعى للتوسع في مناطق أخرى، ومع ذلك، وفي السنوات الأخيرة، نفذ مرارًا وتكرارًا عمليات وتدريبات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، كما تجري بعض دول الحلف تدريبات عسكرية في المياه القريبة من الصين، مما يؤدي إلى توترات ويؤجج الخلافات".
ودعا الناتو إلى "تتجاهل عقلية الحرب الباردة والتوقف عن صنع الأعداء".
"استيقاظ الحلفاء"
من جانبه، اعتبر مدير الاستراتيجيات والتسليح بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره لندن، المسؤول السابق في حلف شمال الأطلسي، وليام ألبيركي، أن "الناتو لم يشن هجومًا على الصين، لكنه أدرك أن طموحات الصين المعلنة وسياساتها تتحدى مصالحه وأمنه".
وقال في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، إنه "استنتاج معقول من بعض سلوكيات الصين على مدى السنوات القليلة الماضية، وخاصة العمل مع روسيا لتقويض النظام الدولي القائم على عدد القواعد، لكنه مع ذلك، فإن الصين تظل أيضًا منفتحة على المشاركة البناءة، وهو أمر جيد، ويترك الباب مفتوحًا للسيطرة على الأسلحة، بما في ذلك بناء الشفافية المتبادلة، بهدف حماية المصالح الأمنية للحلف".
وبشأن انعكاسات استراتيجية الناتو تجاه الصين، أضاف ألبيركي: "أعتقد أن الآثار المترتبة على ذلك هي أن الحلفاء قد استيقظوا على عودة ظهور منافسة القوى العظمى، وهم يدركون أن أمنهم مرتبط بأمن آسيا، لذلك يجب عليهم زيادة حوارهم مع شركاء الناتو في المنطقة خاصة اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا، بالإضافة إلى الدول الأخرى التي ترغب في الحوار مع الناتو".
خلافات مع الأعضاء
من جانبها، ترى الخبيرة الأميركية المختصة في الشؤون الاستراتيجية والقضايا الجيوسياسية، إيرينا تسوكرمان، أن الناتو ينظر إلى الصين باعتبارها انخرطت في تدخلات عدوانية في الآونة الأخيرة في شؤون الدول الأعضاء، بما في ذلك ليتوانيا على وجه الخصوص.
وأضافت توسكرمان في حديث مع "سكاي نيوز عربية"، أن "بكين استخدمت أساليب الإكراه الاقتصادي في محاولة لإجبار ليتوانيا على عدم إجراء أعمال تجارية مع تايوان، وتضمنت تلك الإجراءات قطع التجارة وحتى منع استيراد المنتجات من البلدان الأخرى، وبالإضافة إلى ذلك، يُنظر إلى الأعمال الصينية الأخيرة ضد تايوان على أنها غير مقبولة وموازية للغزو الروسي لأوكرانيا".
وأوضحت الخبيرة الأميركية أنه يُنظر كذلك إلى الصين على أنها حليف روسي بغض النظر عن الإجراءات المختلفة مثل التلاعب بالعملة لتعزيز أجندتها الجيوسياسية، ومختلف الممارسات المانعة للمنافسة التي تتحدى التجارة الحرة، وبالتالي فإن الحلف يعتبرها تهديدا مثل روسيا، كما تعتبر الشراكة الاستراتيجية بين موسكو وبكين على أنها تُضاعف من هذا التهديد والتحدي.
مستقبل الصراع
وأشارت توسكرمان على أن قيام الناتو لأول مرة بإدراج الصين في "مفهومه الاستراتيجي"، يعني أنه سيعمل على تطوير استجابة استراتيجية شاملة لطموح بكين في الهيمنة.
وستتراوح هذه الاستجابة من تدابير اقتصادية وسياسية محددة إلى استراتيجية دفاعية للرد على البرامج الإلكترونية الصينية، والتحركات الحربية، ومساعدة روسيا، إضافة إلى التحركات ضد تايوان وفي بحر الصين الجنوبي، وفق الخبيرة الأمريكية.
وأضافت: "من المحتمل أن نرى تركيزًا متزايدًا على تطوير نهج استراتيجي تعاوني لمواجهة حرب المعلومات في الصين، وجميع التحركات الاقتصادية والاستخباراتية والعسكرية الأخرى التي تعرض الأمن والسلم الدوليين للخطر، وبتقييم مدى وصول الصين وقدراتها الكبيرة ، تعتبر الولايات المتحدة أن الصين هي التحدي الأكثر خطورة على المدى الطويل للنظام الدولي".