حذرت عدة تقارير ألمانية حديثة، من استراتيجية "التدمير البناء" التي يعتمدها قادة اليمين المتطرف في البلاد للسيطرة على الحكم، وتستهدف هدم مؤسسات الدولة وتدشين أخرى بديلة عنها، وفق أيديولوجيا مختلفة.
وحسب التقارير، اعترفت الاستخبارات الألمانية بأن "خطر اليمين المتطرف منذ عام 2020، أصبح أكثر خطورة ربما من تهديد "الجماعات المتطرفة، مثل جماعة الإخوان أو ما يوازيها".
وتكمن الخطورة، بحسب رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات جاسم محمد، في "تغلغل اليمين المتطرف داخل مؤسسات الأمن والجيش والمؤسسات الحكومية، مما أصبح يشكل تهديدا مباشرا للسياسيين والأجانب".
وأكدت وزيرة الداخلية الاتحادية نانسي فيسر، أنه "بالإضافة إلى الملاحقة القضائية لحالات التطرف في المؤسسات، فإن الوقاية مهمة بشكل خاص داخل سلطات الأمن الفدرالية، إذ تم العثور على 138 موظفا يمينيا متطرفا، وهي مؤشرات فعلية تهدد النظام الديمقراطي في ألمانيا، فضلا عن 189 حالة في الأجهزة الأمنية للولايات الاتحادية".
ورأى محمد أن حركة "مواطني الرايخ"، تعد "من أخطر حركات الفكر اليميني المتطرف، وليس لها هيكل موحد، وتسعى إلى تحقيق أهدافها بالعنف".
وتابع: "بالرغم من أن الحركة مسلحة بصورة جزئية، فإن درجة تسلح هذه الحركة لا تزال مرتفعة، لا سيما أن التقارير الاستخباراتية تكشف أن أعضاءها على استعداد تام لاستخدام الأسلحة في تنفيذ مخططات إرهابية".
وأضاف: "تعد منصات التواصل الاجتماعي أداة مهمة لحركة مواطني الرايخ لنشر أيديولوجيتهم واستقطاب أنصار ومتعاطفين جدد، مما قد يشكل تهديدا بصفة عامة للاجئين والأجانب، وعلى المجتمع الألماني ككل".
ووفق محمد، يعتمد اليمين المتطرف في ألمانيا استراتيجية "التدمير البناء"، التي تهدف إلى "ترسيخ مفهوم عدم الاعتراف بالمؤسسات"، لافتا إلى أن "اليمين المتطرف يطبق تلك الاستراتيجية داخل الجيش الألماني عبر تكوين جيش ظل".
وكشفت اعترافات ضباط من قوات النخبة الألمانية، عن تكوين النازيين الجدد لـ"جيش ظل" داخل قوات النخبة.
واستطرد محمد: "إنهم يعدون ليوم مخصص لإحداث فوضى داخل المؤسسة العسكرية، من أجل إحكام السيطرة على النظام السياسي في ألمانيا".
وأشار إلى أن "التطلعات اليمينية المتطرفة تهدد مستقبلا على نحو خاص، المؤسسات العسكرية الحساسة في ألمانيا، لأن تنامي حالات المشتبه بهم داخل الجيش الألماني أصبح أمرا يؤرق الاستخبارات الألمانية".
ونوه إلى أن "الجنود المتطرفين أصبحوا يشكلون خطرا على زملائهم المنحدرين من أصول أجنبية، إضافة إلى خطورة نشر أفكارهم داخل الجيش الألماني".
وبحسب محمد، فقد زادت التقارير عن التطرف اليميني في الجيش الألماني في ربيع وصيف عام 2020، خاصة في قيادة القوات الخاصة "الكوماندوز" (KSK).
وفي نهاية يونيو 2020، تحدث رئيس جهاز مكافحة التجسس العسكري آنذاك كريستوف غرام، في جلسة استماع عامة للجنة المراقبة البرلمانية لأجهزة المخابرات الألمانية، حول "بُعد جديد لمشكلة التطرف اليميني في الجيش الألماني".
وارتفع عدد الحالات المشتبه فيها للمتطرفين اليمينيين و"مواطني الرايخ" في البوندسفير، إلى أكثر من 600 في الأشهر الأخيرة.
وكشفت وزارة الداخلية الألمانية عن وجود 327 موظفا في أجهزة الأمن "من المتطرفين اليمينيين"، الذين يعملون في الشرطة والجمارك والقوات المسلحة ومكتب الشرطة الجنائية الاتحادية، لافتة إلى أن بعضهم عمل لمدة 3 سنوات.
وتحاول السلطات الأمنية في البلاد مجابهة الخطر. وضمن جهود وزارة الداخلية استحدثت وظيفة "ضابط محاربة التطرف" في السلطات الأمنية والدفاع، الذي دعا خبراء إلى تعيينه في المؤسسات الألمانية الأخرى.
و"ضباط محاربة التطرف" هم جهات اتصال داخلية للسلطة، في حالة الاشتباه بالمواقف اليمينية المتطرفة.
وفي أعقاب ذلك، عينت خمس ولايات فدرالية ضباطا متطرفين في شرطة الولاية (برلين وبراندنبورغ ونورد راين فيستفالن وساكسونيا وساكسونيا أنهالت).
ولا تمتلك غالبية الولايات الفدرالية مثل هذه الهيئات، من بينها ولايات بادن فورتمبيرغ، وبافاريا، وبريمن، وهامبورغ، وهيس، ومكلنبورغ-فوربومرن، وساكسونيا السفلى، وراينلاند بالاتينات، وسارلاند، وشليسفيغ هولشتاين، وتورينجيا.