تفادت الولايات المتحدة توجيه دعوات رسمية لكوبا وفنزويلا ونيكاراغوا من أجل حضور "قمة الأميركيتين" التي تنطلق فعالياتها، الإثنين، في لوس أنجلوس، وتستمر حتى 10 يونيو الجاري، معلّلة السبب بأن "الالتزام" بالديموقراطية سيكون العامل الذي يؤخذ في الاعتبار لدى إدراج أسماء الدول التي ستُدعى إلى القمة.
ووفقا للقواعد الديبلوماسية المعمول بها في العالم، فإن من حق الولايات المتحدة بصفتها الدولة المضيفة، شأنها شأن أي دولة أخرى، اتخاذ مثل هذا القرار تماشيا مع ثوابتها الوطنية في مجال العمل السياسي.
ولكن اللافت في المناسبة الراهنة يتجلّى في أن استثناء فنزويلا، على وجه الخصوص، من قائمة المدعوين إلى القمة، يتنافى مع طبيعة المناخات التي سادت أجواء العلاقات بين واشنطن وكاراكاس، خلال الأيام القليلة الماضية، بعد إعلان وزارة الخارجية الأميركية عن "تخفيف" العقوبات المفروضة على فنزويلا، مثل منح تراخيص لثلاث شركات أميركية وإيطالية وإسبانية للبدء في عملية إنتاج النفط والغاز، تمهيدا لتصديرها إلى أوروبا، من أجل تقليل نسبة اعتماد الدول الأوروبية على مصادر الطاقة الروسية.
وكان الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، قد أشاد، السبت الفائت، بما وصفه "الخطوات الصغيرة لكن المهمة" التي اتخذتها الولايات المتحدة لـ"منح تراخيص" لشركات النفط، في إطار تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على بلاده الواقعة في أميركا الجنوبية.
وبحسب وكالة "فرانس برس"، قال مادورو في مقابلة مع محطة إذاعية أرجنتينية نُشرت مقتطفات منها على حساب الرئاسة الفنزويلية في "تويتر:" "قبل أسبوع اتخذت الولايات المتحدة خطوات صغيرة، لكنها مهمة من خلال منح تراخيص للشركة الأميركية "شيفرون" والإيطالية "إيني" والإسبانية "ريبسول" لبدء عملية إنتاج الغاز والنفط في فنزويلا من أجل تصديرها".
المعايير المزدوجة
وفي هذا السياق، شكّك ريمون قبشي، المستشار السياسي للرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز، بصدقية النوايا الأميركية حيال بلاده في هذه المرحلة التي باتت فيها "الولايات المتحدة على وشك الاندثار".
وكشف قبشي لموقع "سكاي نيوز عربية": "الإدارة الأميركية أوفدت مؤخرا إلى كاراكاس مسؤولين رفيعي المستوى لمناقشة مسألة رفع العقوبات عن قطاعيْ النفط والغاز"، لافتا إلى أن "الوفد لم يكن يمتلك إجابات دقيقة بخصوص بقية العقوبات" الاقتصادية المفروضة على بلاده.
والمعروف أن البيت الأبيض أعلن في 17 مايو الفائت تخفيف بعض العقوبات التي فُرضت على فنزويلا في 2019 بهدف عزل مادورو عن السلطة بعد انتخابات 2018 التي أدت إلى إعادة انتخابه لولاية رئاسية جديدة.
وجاء تخفيف العقوبات في إطار محاولة لتعزيز الحوار الذي تم تعليقه في أكتوبر العام الماضي، ولم يُستأنف بعد، بين السلطة ممثلة بالرئيس مادورو، والمعارضة ممثلة بخوان غوايدو المدعوم من الولايات المتحدة.
ووفقا لما أوردته وكالة "رويترز"، الأحد، فإن الجانب الأميركي يأمل في أن تقلل هذه المعاملات من اعتماد دول الاتحاد الأوروبي على صادرات الطاقة من الاتحاد الروسي.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن واشنطن تعتقد أن هذا الأمر سيقلص الصادرات الفنزويلية للصين ويدفع كاراكاس للتفاوض مع المعارضة.
هوامش الديموقراطية
غير أن مسؤولا أميركيا كبيرا شدد، بحسب "فرانس برس"، على أن سياسة الولايات المتحدة تجاه فنزويلا لم تتغير وأن العقوبات "ستخفف" في حال إحراز تقدم نحو الديموقراطية، وإجراء انتخابات "حرة"، مؤكدا أن الإجراءات العقابية "ستُشَدد" إذا خرجت العملية عن مسارها.
وفي هذا السياق، قال ريمون قبشي لموقع "سكاي نيوز عربية" إن "فنزويلا أثبتت جدارتها في ممارسة الأصول الديموقراطية على مدى الأعوام الطويلة الماضية من خلال صناديق الاقتراع"، مضيفا أن "العبرة تكمن دائما في تعريف الديموقراطية الأميركية".
جدير بالذكر أن روسيا نشرت في ديسمبر 2018 قاذفتي قنابل من طراز "TU-160" القادرة على حمل قنابل نووية في فنزويلا، في إشارة إلى دعمها مادورو الذي كان يتعرض لضغوط غربية.
كما يُشار أيضا إلى أن مادورو أعلن، الأسبوع الفائت، عن استعداده لاستئناف علاقات بلاده مع كولومبيا عقب الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية المقررة هناك في 19 يونيو الجاري، حيث سيلتقي مرشحا الرئاسة غوستافو بيترو من التحالف الاشتراكي "الميثاق التاريخي"، والمستقل رودولفو هيرنانديز، بعدما فشل ممثل الجناح اليميني فيديريكو غوتيريز في الحصول على الأصوات التي تؤهله لخوض الجولة الثانية.
وكانت كاراكاس قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع بوغوتا في فبراير عام 2019، حينما حاول خوان غوايدو، الذي نصّب نفسه رئيسا لفنزويلا بشكل غير قانوني، إدخال ما يسمى بالمساعدات الإنسانية إلى فنزويلا بدعم من كولومبيا، الأمر الذي اعتبرته كاراكاس محاولة غزو.
وقد اتهم مادورو مرارا الحكومة الحالية في كولومبيا، والرئيس إيفان دوكي شخصيا، بمحاولة اغتياله، فضلا عن محاولات زعزعة استقرار الوضع في فنزويلا.