جاءت "مذبحة تكساس" لتعيد فتح ملف تفلت السلاح بين الأفراد في أميركا التي باتت على رأس قائمة أعلى الدول في معدل جرائم القتل بسلاح ناري وسط خلاف محوري بين الديمقراطيين والجمهوريين حول "حق حمل الأسلحة".
وفتح مسلح (18 عاما) النار، الثلاثاء، على مدرسة "روب" الابتدائية في ولاية تكساس، ما أسفر عن مقتل 19 طفلا وبالغين اثنين، بحسب مسؤولين، لتشهد الولاية إحدى أبشع المجازر الجماعية في تاريخ الولايات المتحدة.
ومن شأن عملية إطلاق النار الجديدة أن تثير صدمة مضاعفة خصوصا أن الضحايا من الأطفال، وأن تجدد الانتقادات حول الانتشار الواسع للأسلحة النارية في الولايات المتحدة مع غياب الأمل في إقرار الكونغرس لقانون وطني طموح حول هذه المسألة ف ظل تناحر الديمقراطيين والجمهوريين.
وتشهد الولايات المتحدة عمليات إطلاق نار شبه يومية في الأماكن العامة وتسجّل المدن الكبرى على غرار نيويورك وشيكاغو وميامي وسان فرانسيسكو، ارتفاعاً لمعدل الجرائم التي ترتكب بواسطة أسلحة نارية، تصاعدت حدتها منذ بدء جائحة كورونا في 2020.
انقسام حول القضية
ويشهد ملف حيازة السلاح في الولايات المتحدة انقساما تاريخيا بين الحزب الجمهوري والديمقراطي بشأن تفسير نصوص الدستور في هذا الصدد حيث ينص التعديل الثاني للدستور (تم سنه 1971) على "حرية امتلاك السلاح"، وهو النص الذي يراه الديمقراطيون حقاً قاصراً على الولايات المكونة للاتحاد الأميركي، وأن الآباء المؤسسين للولايات المتحدة أرادوا هذا الحق للبلد كسلطات فيدرالية، وليس حقاً مطلقاً للأفراد.
في المقابل، يرى الحزب الجمهوري أن امتلاك السلاح وحيازته حق أصيل يكفله الدستور للأفراد، وصوّت الجمهوريين في مناسبات عدة داخل الكونغرس ضد أي قانون يعدل ضوابط حيازة السلاح.
محاولات لم تستكمل
وكانت هناك محاولات لوقف فوضى امتلاك السلاح في الولايات المتحدة، ففي عام 1994، أصدر الكونغرس الأميركي قانونا بحظر التصنيع والاستخدام المدني للأسلحة النارية نصف الآلية والأسلحة الهجومية لمدة 10 سنوات، وظل الحظر قائما حتى سبتمبر 2004، لكن فشلت محاولات تجديد الحظر.
وفي 2013، رفض مجلس الشيوخ مشروع قانون يقيد السماح بحمل الأسلحة، وكان ينص على توسيع التحريات والحصول على السجل القانوني لكل من يرغب في شراء قطع سلاح.
ودائما ما تصطدم محاولات تقييد حمل وشراء الأسلحة بضغوط لوبي هائل تقف وراءه الجهات المستفيدة من بيع الأسلحة، وهي بالأساس الشركات المصنعة له، حيث قفز حجم المبيعات بشكل سنوي، ثلاث مرات تقريبًا منذ عام 2000 حتى عام 2020، وفقًا لـATF وهو المكتب الأميركي للكحول والتبغ والأسلحة النارية والمتفجرات، والذي يوفر بيانات متعمقة حول تصنيع الأسلحة النارية وبيعها.
قصور بتطبيق القانون
الخبيرة الأميركية المختصة في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، إيرينا تسوكرمان، قالت إن "مذبحة تكساس ليست نتيجة لقوانين غير كافية ولكن بسبب ضعف تطبيق القوانين الحالية التي تمنع الأفراد المصابين بأمراض عقلية من الحصول على الأسلحة النارية".
وأضافت تسوكرمان، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية": "كان من المعروف أن مطلق النار يعاني من مشاكل تتعلق بالصحة العقلية والميل إلى العنف، ولكن الجمع بين وصمة العار لمناقشة الصحة العقلية والمخاوف بشأن التمييز المحتمل ضده أدى إلى اتخاذ قرار ضعيف ونتائج مأساوية".
وتابعت: "كان سيقتل المزيد من الناس لو لم يتم إيقافه من قبل مستجيب أول مدرّب ومسلح قانونيًا. لا علاقة لضعف إنفاذ القوانين بالحقوق الدستورية التي تضمن الحق الأساسي في الدفاع عن النفس وهو أمر مهم بشكل خاص في الحالات التي لا تكون فيها الشرطة موجودة لتوفير الحماية".
وأشارت إلى أن "بعض المناطق الأكثر معاناة من عنف السلاح هي المدن الخاضعة لسيطرة الديمقراطيين مع أقسى قيود على الأسلحة مثل نيويورك وشيكاغو، لأن المجرمين لا يلتزمون بالقوانين وأيضًا لأن الشرطة في تلك الولايات قد حرمت من اتخاذ إجراءات للقيام باعتقالات حتى وإن كانت عنيفة، كما يتم إطلاق سراح المجرمين بسرعة، من الواضح إذن أنها ليست قضية عدم كفاية القوانين".
وأوضحت أن "لوبي السلاح يشمل الكثير من الديمقراطيين الذين يصطادون الأبرياء والأقليات واستفادوا أكثر من غيرهم من القدرة القانونية على الدفاع عن أنفسهم من العنصريين مثل الديمقراطي مؤسس كو كلوكس كلانج. يجب أن يواجه بايدن الجماعات التي تحاول الهجوم على الشرطة وإلغاء تجريم السرقات وأعمال العنف".
وقدرت تحليلات الأسلحة الصغيرة والتنبؤ (SAAF) مبيعات وحدات الأسلحة النارية، بما يقرب من 20 مليون وحدة للعام 2021 بأكمله، أي ما يعادل حوالي 6000 سلاح ناري لكل 100 ألف شخص.