في خطوة على طريق تنفيذ السيناريو الروسي المرسوم للمنطقة، أعلنت السلطات المحلية في خيرسون جنوبي أوكرانيا، الإثنين، اعتماد الروبل الروسي عملة رسمية إلى جانب الهريفنيا الأوكرانية.
وتعد خيرسون أول مدينة كبيرة تسقط في أيدي الجيش الروسي، بعد إطلاق موسكو عمليتها العسكرية بأوكرانيا في 24 فبراير الماضي.
وقال رئيس الإدارة الإقليمية الموالي لموسكو فلاديمير سالدو، في خطاب عبر الفيديو: "سيصدر مرسوم يضفي الطابع الرسمي على اعتماد عملتين في منطقة خيرسون. سيكون سعر صرف الروبل الروسي ضعف سعر الهريفنيا، روبلان روسيان في مقابل هريفنيا واحدة".
وأوضح: "هذا يعني أن جميع التجار لديهم الحق، ولاحقا سيجبرون على ذلك، في عرض الأسعار بعملتين، الهريفنيا والروبل".
وأشار المسؤول المحلي إلى أنه "في الأيام القليلة المقبلة، سيفتح مصرف روسي فرعا في خيرسون، وسيوفر حسابات للشركات".
كذلك أعلن كيريل ستريموسوف نائب رئيس الإدارة العسكرية والمدنية في خيرسون، أن "اللغة الروسية ستحظى في الإقليم بمكانة اللغة الرسمية على قدم المساواة مع الأوكرانية".
ونقلت وكالة "نوفوستي" الروسية عن ستريموسوف قوله: "ستصبح الروسية إلى جانب الأوكرانية لغة رسمية في خيرسون".
ووفقا لستريموسوف، ستكون الروسية اللغة الرسمية للعمل المكتبي والتواصل وجميع القضايا ذات الأهمية الوطنية، كما أن التعليم في المدارس والجامعات سيكون أيضا بذات اللغة.
السيناريو الروسي
ويرى مراقبون أن هذه القرارات في خيرسون تبدو توطئة لضمها إلى روسيا، وبما قد يجعل منها نموذجا لبقية المناطق التي تعتزم موسكو ضمها في شرق أوكرانيا وجنوبها، أو دعم جهودها للانفصال عن كييف، فيما قد يقود إلى "تقسيمات"، خاصة أن تلك المناطق تضم نسبة لا يستهان بها من الروس الأوكرانيين أو الناطقين بالروسية، الذين تربطهم صلات قربى مع الروس.
ويقول أستاذ العلاقات الدولية وفض النزاعات حسن المومني، في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية": "منذ عام 2014، وروسيا تعتبر أن مناطق مثل خيرسون ومجمل الشرق والجنوب الأوكرانيين لها علاقات خاصة وتاريخية مع روسيا، حتى إن اتفاق مينسك الخاص بتسوية الخلاف حول تلك المناطق بين الجانبين الروسي والأوكراني، كان ينص على إجراء انتخابات وحكم ذاتي فيها، مع وضع خاص للغة الروسية".
وبيّن المومني أنه "مع اندلاع الحرب الأخيرة، يبدو أن المقاربة الروسية تبدلت باتجاه الدفع حتى نحو ضم هذه المناطق لروسيا، أو أقله ضمان استقلالها عن أوكرانيا من دون انضمام بالضرورة للاتحاد الروسي، وبما يضمن دورانها كتحصيل حاصل في الفلك الروسي، كبيلاروسيا مثلا".
واستطرد أستاذ العلاقات الدولية: "قد تكون خطوات جس نبض تكتيكية ورسائل لكييف لتظهر المدى الذي يمكن أن تذهب إليه روسيا، لكن بعد مرور 3 أشهر على الحرب والخسائر البشرية والاقتصادية الروسية، يرتسم واقع جديد على الأرض، لهذا فإن موسكو لن تتراجع طبعا فيما يخص هذه المناطق، وستعمل إما على الضم الكامل لها كما حدث مع شبه جزيرة القرم عام 2014 لتصبح جزءا رسميا من الأراضي الروسية، أو ستدعم خيار استقلال هذه المناطق عن أوكرانيا، كما فعلت سابقا مع منطقتي لوغانسك ودونيتسك بإقليم دونباس".
ومن جهة أخرى، يقول مدير مركز الحوار الروسي العربي مسلم شعيتو لموقع "سكاي نيوز عربية": "هذه الخطوات اللافتة والمتسارعة قد تكون بداية لإعادة الأراضي الروسية التي ضمت لأوكرانيا، لاعتبارات سياسية وفكرية خاصة بالاتحاد السوفيتي السابق، وزعيم الثورة البلشفية فلاديمير لينين. معروف تماما عن خيرسون ومناطق أخرى كأوديسا وخاركوف وماريوبول وجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، أنها روسية الانتماء تاريخيا ولغويا وقوميا وجغرافيا، وخيرسون بذلك ستشكل مصدر إلهام ومساعدة لبقية المناطق لتحذو حذوها وتتخلص من التمييز القومي واللغوي بحقها".
ويشير الخبير بالشؤون الروسية إلى أن "ما تقوم به خيرسون الآن من خطوات باتجاه تكريس خيار العودة لحضن الوطن الأم الروسي، سيقابل من قبل موسكو ولا ريب بالدعم والتشجيع، حيث بدأت روسيا مثلا دفع الرواتب وخاصة للمتقاعدين في خيرسون بالروبل، علاوة على افتتاح مؤسسات خدمية صحية واجتماعية روسية فيها، والعمل على تحسين وتطوير البنى التحتية للمدارس وغيرها من المرافق العامة".
أهمية استراتيجية
تقع خيرسون جنوبي أوكرانيا، وتعتبر ميناء مهما ورئيسيا على البحر الأسود وعلى نهر دنيبرو، ويبلغ عدد سكانها نحو 300 ألف نسمة، وهي عاصمة مقاطعة خيرسون المتاخمة لشبه جزيرة القرم التي سيطرت عليها روسيا عام 2014.
وتكمن أهميتها في كونها تقع على مصب نهر دنيبرو، وتطل على بحر آزوف من الجنوب الشرقي، والبحر الأسود من الجنوب الغربي، علاوة على أنها تشكل بذلك حلقة وصل بين شبه جزيرة القرم وإقليم دونباس شرقي أوكرانيا.
وتمتلك خيرسون أكبر ميناء في أوكرانيا لبناء السفن في البحر الأسود، وهي مركز رئيسي للشحن، وقد نمت المدينة بشكل مطرد خلال القرن التاسع عشر بسبب أعمال الشحن وبناء السفن، وظلت مركزا رئيسيا لبناء السفن طوال القرن العشرين.
وفي يوم 16 مارس الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الروسية السيطرة بشكل كامل على جميع الأراضي الواقعة في منطقة خيرسون جنوب أوكرانيا.
وفي مستهل شهر مايو الجاري، قال المسؤول بالكرملين أندريه تورتشاك، إن روسيا ستبقى في خيرسون "إلى الأبد"، وذلك خلال زيارته للمدينة.