تُجري فنلندا في الآونة الأخيرة، مباحثات مكثفة مع عدد من الدول الكبرى؛ للحصول على ضمانات أمنية بتوفير الحماية خلال فترة ترشيحها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، والتي يمكن أن تستمر عدّة أشهر.
وفي مؤتمر صحفي لقادة دول شمال أوروبا في كوبنهاغن، قالت رئيسة وزراء فنلندا سانا مارين إن بلادها تأمل في أن تصادق دول الناتو "بأسرع ما يمكن" على انضمامها في حال ترشحها منفردة أو مع السويد.
وأوضحت أن هلسنكي تجري محادثات مع دول رئيسية، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، للحصول على ضمانات بتوفير الحماية لها خلال فترة الترشح، مشددة على أن "القضية الأساسية هي أن تكون عملية المصادقة أقصر ما يمكن، لأن ذلك سيكون أفضل ضمانة أمنية يمكن أن نحصل عليها".
ودفعت العملية العسكرية التي شنتها روسيا في أوكرانيا، إلى تغيير تاريخي في مواقف فنلندا بشأن الانضمام لحلف "الناتو"، والتي بدأت تناقش هذا الأمر منذ أسابيع.
لكن هذه الخطوة أثارت غضب موسكو، التي اعتبرت أن انضمام هلسنكي إلى "الناتو" سيؤدي إلى عواقب عسكرية وسياسية خطرة.
ويرى مراقبون ومحللون عسكريون، في حديثهم لـ"سكاي نيوز عربية"، أن فنلندا باتت أقرب أكثر من أي وقت مضى للتقدم بطلب الترشح لعضوية حلف شمال الأطلسي، في ظل مخاوفها من أن تطالها مخالب القوات الروسية، وللاستفادة من البند الخامس الذي يُمثل المظلة الأمنية للتحالف العسكري، لكنها تعول على حماية الدول الكبرى بالحلف من احتمالية حدوث رد فعل روسي مضاد لتلك الخطوة.
وهذا ما وعد به وزير الدفاع البريطاني بن والاس الذي كان في الوقت نفسه في فنلندا لحضور مناورات "أرو 2022" العسكرية، بأن لندن ستقدم "الدعم" في حال وقوع هجوم ضد الدولة الاسكندنافية.
كما شدد المستشار الألماني أولاف شولتز، أن بلاده ستدعم فنلندا والسويد بشكل قوي إذا قررتا الانضمام للناتو.
روسيا لن تصمت
ويرى مدير الاستراتيجيات والتسليح بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره لندن، والمسؤول السابق في الناتو، وليام ألبيركي، أن "روسيا ستصدر بعض الضجيج الأولي مع مضي فنلندا في عضوية الناتو، إذ ستعلن عن نقل قوات جديدة وإعادة تموضعها قرب الحدود، وكذلك الإعلان عن منشأة تخزين الأسلحة النووية في كالينينغراد، التي تم ترميمها وبدأ استخدامها منذ سنوات، مع إطلاق المزيد من الصواريخ".
لكن ألبيركي أشار في تصريحات خاصة لـ"سكاي نيوز عربية"، إنه لا يتوقع تغييرات شاملة في الوضع العسكري لروسيا في المنطقة، بل على الرغم من ذلك، يعتقد أن عدد الحوادث بين فنلندا وروسيا سينخفض بعد انضمامهم للحلف.
وبالتزامن، أعلنت وزارة الدفاع الفنلندية أن طائرة هليكوبتر تابعة للجيش الروسي انتهكت المجال الجوي الفنلندي يوم الأربعاء، وصرح متحدث أن الطائرة كانت من طراز "مي-17" وتراوح عمق توغلها "بين 4 و5 كيلومترات".
وهي المرة الثانية خلال شهر التي تستنكر فيها هلسنكي توغل طائرة روسية في مجالها الجوي.
وشدد المسؤول السابق بالحلف على ضرورة الإسراع في قبول اعتماد فنلندا بعضوية الناتو، مشيرا إلى أن ذلك قد يحدث في قمة الناتو القادمة بمدريد، والتي من المقرر أن تنعقد يومي 29 و30 في يونيو المقبل.
وفي وقت سابق، كشف رئيس وزراء فنلندا الأسبق، ألكسندر ستاب، لـ"سكاي نيوز عربية"، أنه من المقرر إعلان بلاده نيتها الانضمام إلى "الناتو" منتصف مايو الجاري، جنبا إلى جنب مع جارتها السويد.
وقال ستاب، إن "فنلندا ستنضم إلى الناتو، ومن المرجح أن نعبر عن نيتنا في الانضمام مع السويد في منتصف شهر مايو، ثم تدعونا قمة الناتو في مدريد أواخر يونيو المقبل للانضمام للحلف، وبعد التصديق على ذلك من قبل جميع الدول الأعضاء، نأمل أن نكون أعضاء كاملي العضوية بحلول الأول من يناير 2023".
حدود ممتدة
وتشترك فنلندا مع روسيا في حدود يبلغ طولها أكثر من 1330 كيلومترا، هي الأطول لدولة في الاتحاد الأوروبي مع موسكو، ومع ظل لكنها بقيت محايدة خلال الحرب الباردة، في مقابل تأكيدات من موسكو بأن القوات الروسية لن تغزو أراضيها.
لكنها لا تزال واحدة من دول الاتحاد الأوروبي القلائل التي لم تُنه التجنيد الإجباري، أو تخفض الإنفاق العسكري بدرجة كبيرة، رغم انتهاء الحرب الباردة.
وانضمت فنلندا التي يبلغ عدد سكانها 5.5 ملايين نسمة إلى الاتحاد الأوروبي، وهي تقيم شراكة وثيقة مع "الناتو" لا سيما في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية والموارد.
وفي تقدير الخبير المتخصص في العلاقات الدولية، الدكتور أيمن سمير، فإن الحرب في أوكرانيا هي الدافع الأول لفنلندا والسويد في التفكير بعضوية التحالف الذي يضم حاليا 30 دولة، لأول مرة منذ عقود طويلة، والتخلي عن الحياد.
وقال "سمير" في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، إنَّ المواطن الآن في فنلندا يشعر بالهلع والخوف من المرور بالسيناريو الذي تعيشه أوكرانيا في الوقت الراهن، مشددا على أن الأمر يستوجب وجود ضمانات أمنية لحمايتها من الدول العسكرية الكبرى في الفترة التي سيناقش فيها طلبها بين الدول الأعضاء.
وأظهر استطلاع رأي أن 68 في المئة من الفنلنديين، يؤيدون الانضمام إلى "الناتو"، بعدما كانت النسبة عند 53 في المئة مع بداية الحرب بأوكرانيا.
وأضاف: "من وجهة النظر الفنلندية، فإن البقاء خارج مظلة الناتو لا يتيح لها أي ضمانة أمنية أن روسيا لن تكرر هذا السيناريو معها، إذ لن تستطيع موسكو الاقتراب منها خوفا من مواجهة أوسع مع الحلف نفسه".
وتنص المادة الخامسة من معاهدة واشنطن الخاصة بعضوية الناتو على أن أي اعتداء على دولة عضو في التحالف هو هجوم على كل الأعضاء.