بعد أكثر من أسبوعين على إعلان روسيا تعديل خططها وسحب قواتها من مناطق الشمال، وجعل أولويتها السيطرة الكاملة على إقليم دونباس، شرق أوكرانيا، جاءت الرياح بما لا تشتهي موسكو، حيث تسبب سوء الأحوال الجوية في تأخير عملياتها رغم أنها تسابق الزمن لانتصار معنوي قبيل 9 مايو المقبل.
وخلال الأيام الماضية، كشفت صور للأقمار الصناعية عن استعدادات روسية على قدم وساق في عدة مواقع استراتيجية بجنوب وشرق أوكرانيا كان بينها إنشاء قاعدتين عسكريتين محتملتين لإعادة الإمداد والصيانة في جنوب أوكرانيا وشبه جزيرة القرم.
كما واصلت القوات الروسية قصفها للمدن الواقعة شرقي وجنوبي أوكرانيا، حيث شن الجيش الروسي المزيد من الهجمات بالمدفعية على أجزاء من منطقتي لوهانسك ودونيتسك، بينما يحاول آلاف المدنيين الهروب من شرقي البلاد مع تحول التركيز الروسي في الحرب إلى هذه المنطقة.
ووفق محللين، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن يسعى لتحقيق نصر في دونباس قبل العرض العسكري في التاسع من مايو في الساحة الحمراء في ذكرى انتصار السوفيت على النازيين.
لماذا تأخر الحسم؟
وتعقيبا على ذلك، قالت الخبيرة الأميركية المختصة في الشؤون الاستراتيجية، إيرينا تسوكرمان، إنه "بعد أن فشلت روسيا في الاستيلاء على البلاد بسرعة، ركزت في البداية على هزيمة ثلاث مدن رئيسية ذات أهمية استراتيجية وهي خيرسون في الجنوب، والتي تخضع حاليًا للسيطرة الروسية وخاركيف وكييف. ولقد خصصت موارد كبيرة هناك، وعندما لم تنجح هذه الخطة أيضًا بسرعة، أدركت أنه من المهم قطع وصول أوكرانيا إلى البحر الأسود وإنشاء جسر بري من شبه جزيرة القرم إلى ماريوبول من أجل الحصول على فرصة في الحرب".
وأضافت تسوكرمان، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية": "كانت دونباس قضية جانبية احتاجتها روسيا لتبرير غزوها، لكنها كانت أقل أهمية من الناحية الاستراتيجية في بداية الحرب. تسعى روسيا حاليا للتركيز على دونباس ليس كثيرًا بسبب أهميتها لكن لأنه لم يتبق لها أي خيار، بعد أن أعلنت أن دونباس هو الهدف علنًا وكونها محاصرة في الجيش مع خيارات أقل متبقية حيث يمكنها مواصلة قصف المدن الكبرى، بعد أن عانت قواعدها الأرضية كثيرًا لدرجة أن هناك تخوفات من أنه لم يعد لديها أي فرصة للنجاح في دونباس".
وأشارت إلى أن "الطقس في دونباس لصالح أوكرانيا. خلال الأيام العديدة الماضية، شهدت منطقة شرق دونباس هطول أمطار غزيرة للغاية ستستمر مع ارتفاع درجة الحرارة وارتفاع درجة حرارة الهواء. سيؤدي ذلك إلى أرضية أكثر ليونة مما يجعل من الصعب على القوات الروسية المضي قدمًا على الطرق المعبدة".
ومضت قائلة: "لقد رأينا بالفعل أن الدبابات والمركبات الروسية قد علقت سابقًا في تربة ناعمة، ويرجع ذلك جزئيًا لشرائها أنواعًا خاطئة من الإطارات من الصين والتي لا تناسب المركبات العسكرية والقتال. لم يتغير شيء من ذلك منذ بداية الحرب. وقد ساعد هذا النوع من الطقس الأوكرانيين شمالا، حيث كان على القوافل الروسية، بسبب الأرض الرطبة الناعمة، أن تسلك طرقًا ملتوية طويلة حول المسارات الأصلية وقد حوصرت وهاجمت على طول الطريق، وفي كثير من الأحيان كانت غير قادرة على الوصول لوجهتها".
وأوضحت أنه "يمكن أن يحدث الشيء نفسه بدونباس، وهو عامل مساهم في التأخير. كان الروس يحاولون الانتظار حتى انتهاء هطول الأمطار عبر التركيز على هجمات المناطق الحضرية الكبيرة في الشرق، لكن هذا ليس من المرجح أن يساعدهم. تمكنت أنظمة جافلين الأوكرانية المضادة للدبابات من الاستفادة من التأخيرات السابقة".
وذكرت أن "روسيا تتطلع لمحاولة كسب بعض الأرض في دونباس في الأسبوعين المقبلين. قد يكون هذا بسبب إخفاقاتها في الشمال والأمل في تحسين الطقس لتحقيق أقصى قدر من المزايا، ولكن قد يكون أيضًا بسبب عوامل أخرى، مثل الأمل في إضعاف أوكرانيا في الشرق، وسقوط ماريوبول، والقدرة على الاستفادة من عزل وتقسيم القوات الأوكرانية في تلك المناطق".
ووفق صحيفة "واشنطن بوست"، فإن أوكرانيا تستعد لمرحلة جديدة من المعارك أكثر تحديًا في حربها لصد العملية الروسية، حيث ستجعل التضاريس والمساحات المفتوحة الواسعة في الشرق من الصعب على الأوكرانيين إدارة عمليات حرب العصابات كما فعلوا في غابات الشمال والغرب.
وأوضحت أن "الأوكرانيين قد يجدون أنفسهم في مواجهة قتالٍ أكثر صرامة في تضاريس الشرق مما فعلوه في الشمال، حيث وفّرت الأشجار غطاءً للمقاتلين المدججين بالسلاح للتسلل خلف الخطوط الروسية لإطلاق النار على الدبابات والمركبات المدرعة، باستخدام أسلحة مضادة للدبابات مثل صواريخ جافلين".