دخلت الحرب الروسية الأوكرانية أسبوعها الخامس، وسط كلفة كبيرة اقتصاديا وعسكريا وسياسيا على طرفي النزاع، وسط توقعات بأن يطول أمدها في ظل غياب أي أفق لحل دبلوماسي قريب.
وعندما أطلقت روسيا العنان للعملية العسكرية في 24 فبراير في أكبر هجوم تشهده أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، بدا من المرجح أن تسقط الحكومة الأوكرانية بسرعة لكن مع وصول الحرب لأسبوعها الخامس، بدت العملية مجهولة النتائج، كما غيرت القوات الروسية تكتيكاتها عبر قصف الأهداف من بعيد بدلا من الاعتماد على الغزو البري الذي تسبب في خسائر واسعة لها.
وحققت روسيا بعض الانتصارات الميدانية حيث سيطرت على مدن "ميليتوبول" و"خيرسون"، و"إزيوم" فيما تفرض حصارا شديدا على "ماريوبول"، إضافة إلى سيطرتها سابقا على شبه جزيرة القرم وكذلك موالاة أغلبية منطقتي دونيستك ولوهانسك إليها فيما لا تزال المناوشات مستمرة قرب العاصمة كييف.
وبعد شهر من الحرب، فرّ أكثر من 3.5 مليون شخص من أوكرانيا، وفق تقارير للأمم المتحدة أكدت على أن أوروبا لم تشهد مثل هذا التدفق السريع للاجئين منذ الحرب العالمية الثانية.
خسائر عسكرية
بعد أسبوع من العملية العسكرية، كشفت وزارة الدفاع الروسية عن مقتل 498 وإصابة 1597 من عسكرها في أوكرانيا، لافتة إلى تكبيد الطرف الثاني 2870 قتيلا وحوالي 3700 جريح، إضافة إلى أسر 572 عسكريا، ومن وقتها لم تعلن سوى عن خسائر الطرف الآخر.
إلا أن حلف شمال الأطلسي كشف، الأربعاء، أن ما بين 7 إلى 15 ألف جندي روسي قتلوا في أربعة أسابيع من الحرب في أوكرانيا، لافتا إلى أن "استماتة الأوكرانيين حرمت موسكو من تحقيق نصر خاطف سعت إليه".
ونقلت وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية عن مسؤول عسكري كبير في حلف شمال الأطلسي، الأربعاء، أن تقديرات الحلف تستند إلى معلومات من مسؤولين أوكرانيين، وما نشرته روسيا، عمدا أم بغير عمد، والمعلومات الاستخباراتية التي تم جمعها من مصادر مفتوحة.
وعن أحدث حصيلة، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، الجنرال إيغور كوناشينكوف، الثلاثاء، إنه منذ بدء العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، دمرت القوات المسلحة الروسية 236 طائرة مسيرة و185 نظاما صاروخيا و1547 دبابة، وتدمير 137 منشأة عسكرية أوكرانية، بما في ذلك نقاط مراقبة ومراكز اتصال.
وفي المقابل، قال مستشار الرئيس الأوكراني أوليكسي أريستوفيتش، في تصريحات صحفية، إن "روسيا خسرت 509 دبابات و1556 سيارة مدرعة و99 طائرة و123 مروحية منذ بداية الحرب".
والسبت، قالت وزارة الخارجية الأوكرانية، عبر حسابها على تويتر، إن 14 ألفا و400 جندي روسي قتلوا منذ بداية الحرب، كما فقد الجيش الروسي آلاف المعدات العسكرية.
خسائر اقتصادية
ووفق موقع "فورين أفيرز" فإنه "في جميع الجوانب، باستثناء الطاقة والمنتجات الحيوية، تم فصل روسيا بشكل كبير عن الاقتصاد العالمي، وهي نقط تحول جيواقتصادية"، مشيرا إلى أن "العقوبات تسببت بعزل الاقتصاد رقم 11 في قائمة أكبر اقتصادات العالم".
وانخفض الروبل أكثر من الثلث منذ بداية يناير، وهناك نزوح جماعي للمهنيين الروس المهرة، في حين انخفضت القدرة على استيراد السلع الاستهلاكية والتكنولوجيا القيمة بشكل كبير، ويتوقع الاقتصاديون أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الروسي بنسبة 9-15٪ على الأقل هذا العام، لكن الضرر قد يصبح أكثر حدة.
في المقابل، أصيب الاقتصاد الأوكراني بشلل تام حيث إنه كان ما لبث أن تعافى من تداعيات جائحة كورونا قبل أن تأتي الحرب وتنهي آماله، حيث توقفت معظم الأنشطة الاقتصادية في البلاد.
وتسببت الحرب في تدمير طال البنية التحتية الأساسية من الطرق والكباري والموانئ والمطارات الأوكرانية نتيجة الأضرار التي لحقت بها، كما تسبب إغلاق الموانئ الأوكرانية المطلة على البحر الأسود في عرقلة حركة النقل البحري.
وقدرت أوكرانيا خسائرها في البنية التحتية، بأكثر من 565 مليار دولار منذ بدء العملية العسكرية الروسية، بحسب وزير البنية التحتية في أوكرانيا أوليكسندر كوبراكوف.
أكبر نسبة لاجئين
وأشارت الأمم المتحدة إلى أنه منذ بداية العملية العسكرية الروسية فرّ 3,577,245 شخصا من أوكرانيا، مؤكدة أنه "لم تشهد أوروبا مثل هذا التدفق السريع للاجئين منذ الحرب العالمية الثانية".
وقال المدير العام للمنظمة الدولية للهجرة أنطونيو فيتورينو إن "حجم المعاناة الإنسانية والتهجير القسري بسبب الحرب يتجاوز بكثير أسوأ السيناريوهات المتوقعة"، مؤكدا أنها "حقاً مرحلة جديدة مأساوية للشعب الأوكراني، حدثت في أقل من شهر بقليل".
وأكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن أكثر من 1,5 مليون طفل بين الفارين، وحوالي 90% من الفارّين هم نساء وأطفال.
فيما كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الثلاثاء، أن عدد الضحايا المدنيين بلغ منذ بداية الحرب وحتى منتصف ليلة الإثنين 2510 ضحايا، بينهم 953 قتيلا و1557 مصابا.
تداعيات سياسية واقتصادية وعسكرية
وتعقيبا على ذلك، قال الخبير في الشؤون الدولية والاستراتيجية، أنس القصاص، إن هناك تأثيرات سياسية وعسكرية واقتصادية واسعة جراء الحرب على البلدين.
وأضاف القصاص، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن أثر الحرب سياسيا في روسيا سيظهر حال طال أمد الحرب حيث متوقع أن تشهد البلاد حالة امتعاض جراء التداعيات السلبية وهو ما بدأ فعليا، حيث هناك أنباء عن استقالة السياسي الإصلاحي الروسي المخضرم أناتولي تشوبايس من منصب الممثل الخاص للرئيس فلاديمير بوتن للعلاقات مع المنظمات الدولية، والوقت في غير صالح بوتين، أما أوكرانيا فإن البلد تشهد فوضى واسعة قضت على كافة المؤسسات ولولا الدعم الغربي لانتهت تماما.
وعسكريا، أوضح أن الجيش الأوكراني مفكك ولولا ثبات بعض القوات لكانت هناك سيطرة واسعة لروسيا، لافتا إلى أن الاتصالات العسكرية الأوكرانية تم التشويش عليها وهناك مشاكل في التواصل بين القوات والوحدات، إضافة إلى اختراق الأجواء وتدمير المطارات.
وأشار إلى أن الدعم العسكري الغربي اللامحدود لأوكرانيا أحد الأسباب الرئيسية في الصمود في مواجهة روسيا، حيث أن كييف تشهد حرب القوات البديلة والتي تتم وفق استراتيجية عليا للغرب، أما روسيا فهي عسكريا في ورطة كبيرة على 3 جبهات (شمال وشرق وجنوب) ما تسبب في أزمة في الإمدادات ومن ثم خسائر واسعة، وكذلك الدخول في حرب مدن مبكرة قبل أي انتصار معنوي حيث أنها خطوة كان يجب أن تحدث بعد الاستيلاء على العاصمة وإسقاط النظام السياسي.
وحول تأثيرات الحرب اقتصاديا، قال القصاص إن هناك شللا وخرابا تاما بأوكرانيا فهي بلد تحت الغزو ولكن الآمال منعقدة على إعادة الإعمار وسيكون سهلا كونها بلدا تجاريا وصناعيا وزراعيا كبيرا، أما روسيا فهي في وضع لا تحسد عليه حيث إن العقوبات التي فرضت عليها لم تحدث من قبل ولا توجد أي دولة أن تستطيع مواجهة تأثيراتها بمفردها حتى لو كانت الولايات المتحدة، لافتا إلى انعكاساتها ستظهر على الصيف وليس في الحال.