بعد نحو شهر من بدء العمليات الروسية في أوكرانيا، تثار الأسئلة حول ما إذا كان الرئيس فلاديمير بوتن قادرا على الانتصار، بينما يتحدث مسؤولون غربيون عن تعثر الخطة التي رسمتها موسكو، وهو ما يعني مواجهة طويلة قد تنذر بفاتورة "باهظة".
وبحسب تحليل من وكالة "فرانس برس"، فإن لدى بوتن أيضًا أبواب دبلوماسية للخروج من الوضع إذا لزم الأمر، لكن عليه أن يتوقع تحديات خطيرة إذا اختار أن يسيطر على أوكرانيا بأكملها.
أهداف الحرب
لم تتغير أهداف بوتن التي تُختصر في بقاء أوكرانيا على "الحياد" و"نزع سلاحها"، أي بعبارة أخرى عدم انضمام هذه الجمهورية السوفياتية السابقة إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).
من ناحية أخرى، لم يعد الكرملين يراهن بالضرورة على الإطاحة بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي أصبح رمزًا للمقاومة في نظر العالم الغربي.
تشير ماري دومولان، الخبيرة في المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية (ECFR) إلى أن "الخطة الأولية، التي ربما انطوت على شن حرب خاطفة للسيطرة على كييف بسرعة كبيرة وإسقاط الحكومة الأوكرانية، لم تنجح".
وذكر المصدر أن الهجوم الروسي يواجه مقاومة أوكرانية غير متوقعة تعقد الأمر بالنسبة للكرملين الذي اعتاد إحراز نجاحات عسكرية فورية، بدءًا من ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014 إلى التدخل في سوريا لدعم الرئيس بشار الأسد.
يقول فريديريك تشاريلون، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كليرمون أوفيرنيو ومؤلف "حروب النفوذ "، "ما زال بوتن يراهن على أن الحرب لن تدوم، وأنه في نهاية المطاف سيفرض نفسه بفضل حجمه العسكري، مهما كانت المقاومة التي يواجهها على الأرض".
ويضيف الأكاديمي الفرنسي أنه أمام الصعوبات التي يواجهها الجيش الروسي على الأرض وسلسلة العقوبات المفروضة على روسيا، يتجه بوتن أكثر فأكثر نحو حرب تقوم على التدمير والعقاب".
وتقول تاتيانا ستانوفايا، الباحثة في مركز كارنيغي في موسكو: "السؤال ليس في ما يريد الحصول عليه، ولكن كيف وبأي ثمن... سيستغرق الأمر وقتًا، وسيسبب مزيدًا من المآسي، لكنه مقتنع بعدم وجود خيار وأنه مكلف بمهمة تاريخية" تتمثل في استعادة النفوذ الروسي.
كسب الحرب بأي ثمن
إذا انهار الجيش الأوكراني المحاصر في شرق البلاد، فمن المحتمل أن تسيطر موسكو على بلد يبلغ تعداد سكانه نحو 40 مليون نسمة، أكبر من فرنسا وسيكون بمثابة منطقة عازلة أمام الحلف الأطلسي.
وذكرت "فرانس برس"، أن روسيا تخاطر أيضًا بأن تجد نفسها في مواجهة حالة تمرد. إذ يرى فريديريك تشاريلون أنه "سيكون عليه الصمود. فالسيطرة على منطقة في مواجهة حركة متمردة أمر صعب للغاية"، مشيرًا إلى أن الأميركيين واجهوا التحدي نفسه في العراق وأفغانستان.
كما يخشى البعض تصعيدًا عسكريًا من جانب روسيا، من استخدام الأسلحة الكيماوية إلى شن هجمات على القوافل الغربية التي تنقل مساعدات عسكرية وإنسانية إلى أوكرانيا.
وتشير ماري دومولان إلى أن الأرجح هو أن بوتن سيضاعف جهوده وسينتقل إلى استراتيجية ما وصفتها بـ"الحرب القذرة" لزيادة التكلفة البشرية بالنسبة للأوكرانيين وإجبارهم على الاستسلام".
هل هناك أبواب للخروج؟
ونقلت الوكالة عن محليين، أنه إذا تعثر الوضع أو ظل غير محسوم، يمكن لفلاديمر بوتن أيضًا "حفظ ماء الوجه" عن طريق انتزاع تنازلات سياسية من كييف وإبقاء سيطرته على بعض المناطق.
يقول عباس غالياموف، المحلل السياسي الروسي إن "الأساس بالنسبة لبوتن هو القوة والضغط والنصر. لا يمكنه التراجع من دون الحصول على بعض المكاسب. ... إنه يحتاج إلى اتفاق بشأن حياد أوكرانيا. لكن من الواضح أن هذا لا يكفي. فهو يريد أيضًا الاعتراف (بضم) شبه جزيرة القرم و(باستقلال) الجمهوريتين الانفصاليتين المواليتين لروسيا في لوغانسك ودونيتسك".
وإذا لم توافق أوكرانيا على مثل هذه المطالب، فستظل روسيا قادرة على تحقيق مكاسب في شرق البلاد، مع هدف رئيسي، وهو ضمان الامتداد الجغرافي بين دونباس وميناء ماريوبول على بحر آزوف وشبه جزيرة القرم إلى الجنوب.
وتقول دومولان "ليس من المستبعد أن يحاول الروس بعد ذلك دفع الهجوم إلى أوديسا للسيطرة على الساحل الأوكراني بأكمله على البحر الأسود".
تهديد بوتن؟
يرى المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (Ifri) في مذكرة تحليلية أن كلما طال أمد الحرب، "بدون احتمال التوصل إلى حل سريع"، من المرجح أن تزداد التوترات سوءًا وصولًا إلى "انهيار نظام السلطة في الكرملين".
ويقول محللون غربيوت إن بعض الأطراف الفاعلة في روسيا من الأثرياء النافذين ورؤساء الأجهزة الأمنية قد يميلون إلى أن يطلبوا من فلاديمير بوتن أن "يتوقف".
لكن تاتيانا ستانوفايا تقول إن "في الوقت الحالي، لا أرى أي مؤشر على ذلك لدى النخبة الروسية ... حتى وإن بدا أن الحرب صدمت جزءًا من هذه النخبة، فهي ليست مستعدة سياسيًا للوقوف ضدها".