شكلت الحرب في أوكرانيا تحديا استراتيجيا للهند، التي عملت على مدار السنوات الماضية على تأسيس شراكة مع الولايات المتحدة في مواجهة الصين عبر "تحالف كواد"، قبل أن تغرد منفردة خارج التحالف وتمتنع عن إدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وتتجه لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع موسكو.
ولم يتمكن قادة "تحالف كواد" (أميركا واليابان وأستراليا)، مطلع مارس من إقناع شريكهم الرابع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، بدعم موقفهم في أزمة أوكرانيا.
واكتفى التحالف في بيان مشترك بالإشارة إلى أن قادتها "تطرقوا إلى النزاع والأزمة الإنسانية في أوكرانيا، وأجروا تقييما لتداعياتها الأوسع نطاقا".
وخلا البيان من أي إدانة لموسكو، كما امتنعت في سلسلة متعاقبة من جلسات تصويت في الأمم المتحدة عن إدانة الغزو الروسي.
ورغم أن روسيا تعد أكبر مصدر للأسلحة إلى الهند منذ الحقبة السوفيتية، فإن نيودلهي تحتاج الآن إلى دعم أكبر من مجموعة "كواد" في مواجهة تنامي النفوذ الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فالتوتر مع بكين في أعلى مستوياته منذ المواجهات التي دارت بينهما عام 2020 في المنطقة الحدودية المتنازع عليها في الهيمالايا، التي أوقعت 20 قتيلا على الأقل في صفوف القوات الهندية، و4 قتلى من القوات الصينية.
الهند بين المطرقة والسندان
وتعليقا على اصطفاف الهند الحالي، قالت الخبيرة الأميركية المتخصصة في الشؤون الاستراتيجية إيرينا تسوكرمان، إنه "من المؤكد أن روسيا تتطلع إلى ضم الهند وأي دولة أخرى يمكن أن تجدها في دائرة نفوذها تحت أي ذرائع، ومع ذلك فإن حياد الهند بأزمة أوكرانيا ليس بالضرورة مؤشرا على قرار نيودلهي بالعودة إلى معسكر روسيا بالكامل".
وأضافت تسوكرمان في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "الهند في موقف لا تحسد عليه، فهي تحاول تحقيق التوازن بين العديد من التهديدات والمصالح والأولويات المختلفة أثناء التعامل مع موقف مخيب للآمال من الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى. الهند محاطة بقوتين نوويتين هما باكستان والصين، وقد كانت الأولى حليفا وثيقا للولايات المتحدة لسنوات عديدة، واستفادت بشكل كبير من إمدادها بالأسلحة".
وتابعت الخبيرة الاستراتيجية: "كانت الهند مدعومة تاريخيا من قبل الاتحاد السوفيتي وروسيا، وبدأت في السنوات الأخيرة فقط بالانتقال إلى المعسكر الموالي للغرب بشكل أكثر صراحة لا سيما فيما يتعلق بالإصلاحات الاقتصادية وقضايا الدفاع، ردا على التهديدات المتزايدة من المتطرفين المدعومين من جانب باكستان وكذلك من عدوانية الصين، كما كان تقارب روسيا من الصين عاملا لا تستطيع الهند أن تتجاهله أيضا".
ولفتت تسوكرمان إلى أن الهند "ابتعدت مؤخرا عن الاعتماد على الأسلحة الروسية، وأصبح أكبر مورديها فرنسيين وإسرائيليين، رغم أنها لا تزال تعتمد بشكل كبير على إمدادات الأسلحة الروسية (حوالي 70 بالمئة)، لذا فهي غير قادرة على قطع العلاقات بموسكو".
واعتبرت أن "ما يميز العلاقات الهندية الروسية ليس فقط عمليات بيع الأسلحة، لكن أيضا البرامج المشتركة لأنظمة الأسلحة المختلفة المنتجة في روسيا أو بالاشتراك معها، التي تم شراؤها وتطبيقها بالفعل، حيث منحت موسكو الهند امتيازات خاصة فيما يتعلق بالدفاع، مثل دمج الأسلحة المصنوعة محليا في الطائرات المقاتلة والسفن البحرية، بينما لم تسمح الولايات المتحدة وإسرائيل وفرنسا بحدوث ذلك حتى الآن".
وأوضحت أن "الهند قلقة أيضا من الرسائل الصادرة عن الناتو بشأن أوكرانيا في أعقاب العمليات العسكرية الروسية، حيث أعرب الحلف عن أنه ليس لديه مجال للتهاون في حالة استخدام روسيا للأسلحة الكيميائية في أوكرانيا. كذلك أكد المعهد الوطني للعلاقات الدولية أن تحدي الهند لروسيا في هذه القضية، سيجعلها لا تخسر فقط حليفا دفاعيا قيما لا يوجد بديل مكافئ له بين الدول الغربية حتى الآن، لكنها ستعرّض نفسها لخطر خلق عدو ثالث (بعد الصين وباكستان) في حين أن الدول الغربية بعد (خيانتها) لأوكرانيا لا يمكن الاعتماد عليها للدفاع عنها".
ووفق تسوكرمان فإن "إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لا ترحب بشكل خاص بالهند خارج مجال الدفاع. ولم تتبن الهند كبديل اقتصادي وتقني للصين، كما كانت المشاركة الدبلوماسية محدودة أيضا. إذا أرادت الدول الغربية أن تخاطر الهند بأمنها ومصالحها من أجل مشاركة أوسع وأعمق استراتيجيا مع الغرب، فعليها أن تظهر ما يجب أن تكسبه الهند منها من خلال العمل، وليس مجرد الوعود الفارغة في المناسبات الاحتفالية. تحتاج الدول الغربية أيضا إلى إثبات أنها حلفاء موثوقين أكثر من روسيا، وهو ما يدحضه بشدة مثال أوكرانيا وأفغانستان في الوقت الحالي، عندما يحدث ذلك سيكون للدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم الحافز لبدء تغيير الوجهة والمجازفة لاستكشاف آفاق جديدة تتجاوز ما تعتبره حاليا آمنا ومفيدا لمصالحها".
توسع روسي في الهند
واشترت شركة النفط الهندية الحكومية 3 ملايين برميل من النفط الخام من روسيا لتأمين احتياجاتها من الطاقة، مقاومة الضغوط الغربية لتجنب مثل هذه الصفقات.
وأكد مسؤول حكومي هندي أن بلاده تتطلع إلى شراء المزيد من موسكو رغم الدعوات بعدم القيام بذلك من جانب الولايات المتحدة ودول أخرى.
وتحث الولايات المتحدة وبريطانيا ودول غربية أخرى الهند على تجنب شراء النفط والغاز الروسي، فيما ذكرت تقارير إعلامية هندية أن روسيا تقدم خصما على مشتريات النفط بنسبة 20 بالمئة أقل من الأسعار القياسية العالمية.
وأعلن نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، اقتراب صادرات منتجات النفط الروسية إلى الهند من مليار دولار، كاشفا عن وجود خطط لزيادة تلك الصادرات خلال المدة المقبلة، واهتمام روسيا بالتوسع في شبكة المبيعات بالهند، وتعزيز الاستثمارات الهندية في قطاع النفط والغاز بموسكو، وفق بيان للسفارة الروسية بالهند مساء الجمعة.
وتهدد القفزة في أسعار النفط في أعقاب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بإشعال التضخم في الهند واستنزاف المالية العامة والإضرار بالنمو، بينما تخرج البلاد من تباطؤ اقتصادي تسببت فيه جائحة كورونا.
ووفق وسائل إعلام محلية، فقد وضعت نيودلهي آلية تعامل بالروبية والروبل لتمويل واردات النفط، تجنبا لإجراء التبادلات بالدولار الأميركي.