يبدو حسب المراقبين على ضوء ما تمخض عن المحادثات الأميركية الصينية المنعقدة في العاصمة الايطالية روما وتصريحات الجانبين عنها أن واشنطن وبكين لم تتوصلا لتقارب حول نقاط الخلاف بينهما حول الحرب الروسية الأوكرانية.
وأكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي، الثلاثاء، من أن بلاده ترفض أن تتأثر بالعقوبات الغربية التي تفرض على روسياحسبما أفادت وسائل الإعلام الصينية الرسمية.
وقال الوزير الصيني خلال اتصال مع نظيره الإسباني إن "الصين ليست طرفا في الأزمة، ولا تزال ترغب بألا تتأثر بالعقوبات".
وتابع: "لطالما اعترضت الصين على استخدام العقوبات لحل المشاكل، ناهيك عن العقوبات أحادية الجانب التي لا أساس لها في القانون الدولي، والتي ستضر بحياة الناس في جميع البلدان".
وشدد على أن بكين ترفض العقوبات من حيث المبدأ، لافتا إلى أن لها "الحق في حماية حقوقها ومصالحها المشروعة".
ويرى المراقبون للمشهد أن بكين وإن أظهرت الحياد لكنها تبقى أقرب لموسكو منها لواشنطن والعواصم الغربية في موقفها من الأزمة الأوكرانية المحتدة، مستبعدين أن تفلح الضغوط الأميركية في ثنيها عن ذلك.
وتعليقا على اللقاء الصيني الأميركي حول الأزمة الأوكرانية والاتهامات الأميركية للصين بدعم روسيا، تقول لانا بدفان، الباحثة في العلاقات الدولية والأوروبية في مدرسة الاقتصاد العليا في موسكو، في حوار مع سكاي نيوز عربية :"منذ البداية الصين كانت محايدة ولم تنحز لا لروسيا ولا لأوكرانيا، مؤكدة أنه لا بد من أخذ المخاوف الأمنية الروسية المشروعة على محمل الجد، وهي حصلت في هذا الصدد حتى على وثائق تثبت بيع الأسلحة الأميركية لكييف، ووجود المنشآت العسكرية والأسلحة الفتاكة التابعة لحلف الناتو على الأراضي الأوكرانية".
وتضيف: "على عكس مزاعم واشنطن فالصين لم ترسل مساعدات عسكرية لروسيا والتي هي ليست بحاجة لذلك أصلا، لكن موقفها من الأزمة الاوكرانية يميل كما هو واضح نحو الجانب الروسي، بحكم التقارب التقليدي بين موسكو وبكين، رغم أنها تؤكد على الحل السياسي والدبلوماسي بعيدا عن التصعيد العسكري".
ورغم ذلك، تضيف بدفان: "بكين لم تدعم بشكل مباشر ومفتوح الروس في هذه الأزمة، حيث مثلا أحد شروط موسكو المعروضة لوقف الحرب بأوكرانيا، هي الاعتراف بسيادتها على شبه جزيرة القرم، رغم أن الصين لديها مشكلة مشابهة في تايوان، حيث ثمة تخوف صيني من أن يتم فرض عقوبات عليها بشأن تعاملها مع روسيا، وهي أساسا عرضة لعقوبات غربية وإن لم تكن طبعا بحجم المفروضة على روسيا حاليا".
وتضيف الباحثة الروسية: "طبعا سيكون هناك استعانة روسية بالصين للتغلب على تداعيات العقوبات الغربية، لكنها ستتركز في بعض المجالات التجارية والاقتصادية حيث مثلا هناك بنوك روسية دولية بدأت تتعامل بالعملة الصينية بعد فرض العقوبات عليها، وربما نرى مبادلات في الأسواق الحرة في قطاعات الغاز والنفط وغيرها، لكن هذا لا يرقى طبعا لدرجة تعويل موسكو على بكين كي تنعش الاقتصاد الروسي في وجه العقوبات الغربية".
وحول التحذيرات الأميركية من محاولات صينية لدعم روسيا، ماليا وعسكريا، يقول رائد العزاوي، مدير مركز الأمصار للدراسات الاستراتيجية، بالقاهرة، في لقاء مع "سكاي نيوز عربية": "أعتقد أن الرواية الصينية النافية لهذه الاتهامات الأميركية هي الأقرب للصواب والواقع، كون روسيا ليست ضعيفة ولا جمهورية موز كي تحتاج لمساعدات عسكرية من الصين أو غيرها، وهي ربما تحتاج دعما اقتصاديا صينيا بسبب العقوبات الغربية عليها لكن ليس عسكريا".
وأضاف: "العقوبات الغربية أثرت كثيرا بطبيعة الحال على الاقتصاد الروسي، وربما تؤثر مستقبلا أكثر على القدرات الاقتصادية وإدارة الموارد في روسيا، ولهذا فمن الطبيعي أن تلجأ روسيا لشريكها الاستراتيجي الصين لتخفيف وطأة تلك العقوبات التي تثقل كاهل اقتصادها".
فالصين اختارت الحياد وامتنعت عن ادانة الاجتياح الروسي لأوكرانيا حتى في مجلس الأمن، يقول :"لكونها تعتقد أن التوازن والامتناع عن التصويت سيساعدها في تلافي عقوبات مماثلة محتملة قد تتعرض لها، كونها لديها سوق كبيرة في أوروبا وأميركا حيث تبلغ قيمة التبادل التجاري بينها وبين أوروبا 350 مليار دولار سنويا، ومع الولايات المتحدة تبلغ 500 مليار دولار، وهي بداهة لا يمكنها قبول وتحمل خسارة هذه الأسواق لصالح روسيا، وهي في الوقت عينه تريد توظيف الأزمة الأوكرانية لتمرير مطالبها من روسيا وتعزيز دورها كقوة دولية وازنة".