بعد أسابيع من الشد والجذب والحشد العسكري والتحذيرات والترقب، بدأ الجيش الروسي صباح الخميس، عملية عسكرية واسعة ضد أوكرانيا.
وبينما كانت الولايات المتحدة الأميركية ومعها الاتحاد الأوروبي يعكفان على فرض حزمة من العقوبات الأولية على موسكو، بعيد خطاب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، الذي كان قد أعلن فيه اعترافه باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين شرقي أوكرانيا، جاء الهجوم العسكري الروسي الواسع على أوكرانيا، ليفرض على الدول الغربية توسيع العقوبات، حيث قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون إن :"العقوبات الهائلة، والموجهة التي سيفرضها قادة الاتحاد الأوروبي ستستهدف القطاعات الاستراتيجية للاقتصاد الروسي، وسيكون ذلك من خلال منع الوصول إلى التقنيات والأسواق التي تعتبر أساسية بالنسبة لروسيا".
فيما أكد الرئيس الأميركي جو بايدن، الخميس، أن بلاده: "لن تنخرط في أي عمل عسكري في أوكرانيا"، ردا على الغزو الروسي، مشيرا في الوقت نفسه، إلى أن: "عقوبات غير مسبوقة ستفرض على روسيا وبنوكها".
وفي ظل تأكيد بايدن على استبعاد التدخل العسكري من قبل واشنطن، يشكك مراقبون وخبراء في قدرة العقوبات الغربية الاقتصادية فقط ومهما كانت قاسية وغير مسبوقة حتى، على إجبار روسيا على التراجع ووقف هجومها العسكري على أوكرانيا، كون الأزمة الروسية الأوكرانية تنطوي برأيهم على أبعاد وحسابات استراتيجية وجيوسياسية كبرى ومعقدة، تتعلق بصراعات نفوذ تقليدية وتاريخية بين قوى عالمية كبرى.
وتعليقا على مدى فعالية العقوبات الغربية في ردع موسكو، ودفعها لوقف الحرب، يقول وائل العلامي، مدير مركز الرائد، في العاصمة الأوكرانية، كييف، في حديث مع سكاي نيوز عربية :"صعب جدا بل ومستحيل أن تردع العقوبات الغربية موسكو عن المضي في حربها الأوكرانية، خاصة وأن ثمة تجربة مماثلة لهذه العقوبات منذ العام 2014 إبان أزمة شبه جزيرة القرم، وها نحن نرى بعد نحو عقد من ذلك كيف أن تأثيرها كان معدوما في الواقع، والروس لطالما أكدوا أنهم لن يتأثروا بالعقوبات الأميركية والغربية، والتي لا يمكنها أن تصل مثلا لحد منع الدول غير الغربية من التعاطي مع روسيا اقتصاديا وتجاريا، كما الصين مثلا وغيرها الكثير من دول العالم".
ولهذا ستستمر الحرب، يضيف العلامي :"إلى أن تحقق موسكو أهدافها في الحصول على ضمانات ملزمة من قبل واشنطن وحلف الناتو للتوقف عن التوسع شرقا نحو التخوم الروسية، وعدم ضم أوكرانيا للحلف ووقف نشر المنظومات الهجومية الأطلسية بالقرب من روسيا بدول البلطيق وشرق أوروبا، وقد يذهب حتى للمطالبة بالاعتراف بضمه القرم وبالوضع الجديد لإقليم دونباس، أو أنها ستواصل غزوها لحد السيطرة على كامل البلاد وخاصة العاصمة كييف وتنصيب نظام موال لروسيا فيها، وهذا السيناريو الأخير سيكون الخطة باء في حال عدم حصوله على ما يريد من بدء الغزو، عبر الوصول لصيغ حل دبلوماسي لوقف القتال تكفل ما يريده من ضمانات”.
على الأغلب ستمتد الحرب لأيام وربما أسابيع قليلة، كما يختم العلامي بالقول: "وتحسم إما عبر السيطرة الروسية الكاملة على أوكرانيا، أو أن تكتفي موسكو بالسيطرة على أقاليم وأجزاء معينة منها، ومن ثم تعلن وقف الحرب، ومن يدفع الثمن وسط تضارب المصالح وصراعات النفوذ والقوة هذه بين روسيا وحلف الناتو، هم الأوكرانيون الذين تركوا لوحدهم في مواجهة روسيا".
من جانبها، تقول ثريا الفرا، أستاذ العلوم السياسية في جامعة موسكو، في لقاء مع سكاي نيوز عربية :"الغرب لا يملك غير العقوبات للتعامل مع الأزمة، وهي لن تنجح بوقف الحرب، فروسيا معتادة على هذه العقوبات منذ العام 2008 على خلفية أزمة جورجيا وفي العام 2014 إبان أزمة القرم، كونها لا تجدي نفعا في تغيير مواقف موسكو، رغم أن الروبل الروسي انخفض اليوم مثلا ونحن في بداية الحرب أمام الدولار الأميركي، لكن في العموم لن تنجح العقوبات الغربية في التأثير على روسيا وكبحها في سعيها لإثبات أنها دولة عظمى لا تقبل بالانتقاص منها أو تهديد مصالحها وأمنها القومي كما تقول".
وترى أستاذ العلوم السياسية بجامعة موسكو، أنه: "بدلا من التهديد بالعقوبات، على كل من ألمانيا وفرنسا لعب دور عقلاني لمعالجة الأزمة ومنع تفاقمها أكثر، وعدم ترك ساحة المواقف الأوروبية خالية للندن، التي ركبت موجة واشنطن في تسليح كييف وتحريضها على موسكو والنتيجة ما نرى من حرب وتصعيد يهددان الأمن الأوروبي ككل".
أما إحسان الشمري، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، فيقول في حديث مع سكاي نيوز عربية: "على المدى الآني لا يمكن بطبيعة الحال للعقوبات الغربية التأثير على سياسات موسكو ومواقفها حيال أوكرانيا، فروسيا بلد كبير جدا وبوتن يدرك جيدا عندما قرر التدخل عسكريا في أوكرانيا حجم التحديات التي ستواجهها روسيا من عقوبات وعزلة، لكن على المدى المتوسط في حال استمرار العقوبات الغربية فإنها ستترك ولا شك الأثر البالغ على روسيا".
ويضيف الشمري، وهو مدير مركز التفكير السياسي: "نعم لا انخراط عسكريا غربي في الصراع لمواجهة روسيا في أوكرانيا، وهذا أمر معلن من قبل الناتو حتى، لكن العقوبات التي تفرض على شخصيات ومؤسسات روسية، وفي قطاعي التكنولوجيا والسلاح والمال خاصة، سيكون لها وقع شديد ستظهر آثاره تباعا لكن ليس في المدى القريب، وهذا ما يعني أنها لن تفلح في ردع موسكو ووقفها عن خيار المضي بالتدخل العسكري في أوكرانيا".