نجا رئيس غينيا بيساو، عمر سيسوكو إمبالو، من محاولة انقلاب فاشلة، الثلاثاء، قُتل خلالها عدد من قوات الأمن بعد مهاجمة مسلحين مجمعا كان يرأس فيه اجتماعا لمجلس الوزراء بالبلاد.
والانقلاب الجديد هو العاشر الذي شهده غينيا بيساو في غرب إفريقيا على ساحل المحيط الأطلسي، حيث شهد 9 انقلابات منذ الاستقلال عن البرتغال عام 1974، آخرها في عام 2012، عندما عطل الجيش الانتخابات.
كما يعاني هذا البلد انعدام الاستقرار السياسي منذ عقود، وقوضت الانقلابات جهود تنويع موارد الاقتصاد بعيدا عن تصدير الكاجو.
ماذا حدث؟
وتفاصيل الانقلاب أعلنها إمبالو نفسه، حيث ظهر في مقطع فيديو نُشر على صفحة الرئاسة على "فيسبوك" بعد ساعات من سماع إطلاق النار، قائلاً إن بعض "المتورطين قد اعتُقلوا، لكنه لا يعرف عددهم".
وأضاف أن العديد من قوات الأمن قُتلوا في صد هجوم على الديمقراطية ربما كان على صلة بتهريب المخدرات.
وأكد رئيس غينيا بيساو أن "الهدوء عاد للبلاد والوضع تحت سيطرة الحكومة، وإنه بخير والوضع بات تحت سيطرة الحكومة".
ولفت إلى إنه لم يُقتل وزراء في إطلاق النار والقتلى في صفوف قوات الأمن، مشيرا إلى أنه تم اعتقال بعض الضالعين في الأحداث.
وقال عمر سيسوكو إمبالو، إن الهجوم "تم إعداده وتنظيمه بشكل جيد، ويمكن أن يكون له صلة بمتورطين في تهريب المخدرات".
وبدأ الانقلاب حين سُمعت أصوات طلقات نارية غزيرة بعد ظهر الثلاثاء في غينيا بيساو قرب مقر الحكومة.
وسادت حالة إرباك في عاصمة هذه الدولة الصغيرة ذات التاريخ السياسي المضطرب، وشهدت المناطق المحيطة فرارا للسكان، في حين خلت الأسواق من المارة وأقفلت المصارف أبوابها.
أسباب الاضطرابات
وفي هذا الصدد يقول الباحث بالشأن الإفريقي، أحمد نجم الدين: "إن غينيا بيساو واحدة من المستعمرات البرتغالية الخمس السابقة والواقعة في إطار إقليم غرب إفريقيا، ليس جغرافيا فحسب بل من منظور التأثر بالمناخ العام للإقليم المتسم بعدم الاستقرار السياسي".
ويضيف في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية": إن عدم الاستقرار السياسي بدول الإقليم يأتي غالبا بسبب الانقلابات العسكرية مثل مالي 2012 وغينيا بيساو 12 أبريل 2012".
وتابع: "عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية وما يتصل بذلك من إثارة عنف داخلي من قبل المرشحين المنهزمين يؤدي إلى تلك الاضطربات والانقلابات".
ويؤكد نجم الدين: "التاريخ السياسي لغينيا بيساو ومنذ حصولها على الاستقلال عام 1979 عن البرتغال، يؤكد جود میراث سلبي طويل من عدم الاستقرار السياسي المرتبط بالأساس بإشكالية الصراع على الحكم".
ويفسر: "العلاقة الجدلية بين الدولة والجيش غير متوازنة وغير مستقرة طوال معظم تاريخ هذا البلد، وهي محرك للأزمات السياسية وتترجم غالباً في العديد من الانقلابات".
تنديد دولي وأفريقي
وفور وقوع محاولة الانقلاب نددت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" بها، وقالت: "نتابع بقلق بالغ تطور الوضع في غينيا بيساو، حيث يطلق الجيش النار حول القصر الحكومي".
أما المتحدث باسم الأمم المتحدة، فدعا إلى إنهاء العنف فوراً والاحترام الكامل للمؤسسات الديمقراطية.
كما دعت السفارة البرتغالية رعاياها إلى البقاء في منازلهم بسبب الأحداث التي تشهدها البلاد.
كذلك قال الرئيس البرتغالي مارسيلو ريبيلو دي سوزا إنه تحدث إلى إمبالو عبر الهاتف و"نقل إدانته الشديدة.. لهذه الهجمات على النظام الدستوري لغينيا بيساو".
أزمة سياسية متشعبة
وتجري السياسة في غينيا بيساو في إطار جمهورية ديمقراطية شبه رئاسية، مع نظام متعدد الأحزاب، حيث الرئيس هو رأس الدولة ورئيس الوزراء هو رئيس الحكومة، وتمارس السلطة التنفيذية من قبَل الحكومة.
وتعيش البلاد حاليا بحكومتين، إحداهما مقالة تعد نفسها شرعية ويعدها المجتمع الدولي كذلك، وأخرى معينة من طرف الرئيس المنتهية صلاحيته.
وجاء ذلك بعدما عين عمر سيسوكو إمبالو، الفائز بانتخابات الرئاسة في ديسمبر 2020 بنسبة أصوات 54% متفوقاً على منافسه دومينجوز سيموز بيريرا، رئيسا جديدا للوزراء، بينما عين البرلمان رئيسا انتقاليا منافسا، وهو كبريانو كاساما، بعد أن قالوا إن رئاسة إمبالو "غير قانونية".
وزادت تلك التعيينات المتعارضة حالة الارتباك التي تسيطر على المشهد السياسي في البلاد منذ الانتخابات الرئاسية.
وفي نفس الليلة، رد الرئيس الحالي إمبالو مرسوماً بإقالة رئيس الوزراء، وقام بتعيين رئيس الوزراء الحالي نونو نابيام، الذي كان أحد المرشحين للرئاسة.
ويواجه الرئيس الحالي لغينيا بيساو تحديات ضخمة من بينهما الفقر الواسع النطاق والنظام السياسي غير المستقر.
وعقب فوزه بالرئاسة تعهد رئيس غينيا بيساو بالعمل على تغيير الدستور ليزيد من السلطات الرئاسية.
ومعلقا يقول الباحث في الشأن الإفريقي محمد الجزار: "إنه بعد تولي الرئيس الحالي مقاليد الحكم فإن وضع دستور جديد للبلاد من أهم الأولويات التي يراها؛ حيث إن دستور 1984 كان له دور في الأزمات السياسية المتعاقبة في هذا البلد".
ويضيف في تصريحات لموقع سكاي نيوز عربية: "لذلك قام إمبالو في 12 مايو 2020 بإصدار مرسوم رئاسي يقضي بإنشاء لجنة مكلفة باقتراح مشروع دستور جديد".
وأردف: "إمبالو يريد وضع نظام جديد للحكم وإلغاء النظام شبه الرئاسي وتقسيم السلطات بين الرئيس ورئيس الوزراء بصورة واضحة ليس فيها تعارض أو غموض، وهذا يقابل عقبات من قبل معارضيه".
وغينيا بيساو من بين أقل دول العالم نموًا، وواحدة من أفقر 10 دول في العالم، وتعتمد بشكل أساسي على الزراعة وصيد الأسماك، وزادت محاصيل "الكاجو" بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وتحتل البلاد الآن المرتبة السادسة في إنتاجه.