لا تزال الأزمة الروسية الأوكرانية تلقي بظلالها على الساحة السياسية والعسكرية الدولية، لا سيما في ظل الحشود العسكرية والتصريحات التي تصعد من حدة الأحداث، وآخرها تصريح مساعدة وزير الخارجية الأميركي، ويندي شيرمان، بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن "على وشك بدء الصدام العسكري" في منتصف فبراير المقبل.
على الرغم من ذلك؛ فإن عددا من الخبراء في الشأن الدولي، أكدوا على أن الحل الدبلوماسي لا يزال قائما، خاصة بعد إعلان المستشار الألماني، أولاف شولتس، زيارته لواشنطن في 7 فبراير المقبل، ملقين بمسؤولية كبيرة على عاتق ألمانيا التي تمثل "صوت العقل" في هذه المرحلة.
الغاز الروسي
ويرى خبير العلاقات الدولية والباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية، أيمن سمير، أن الحل السياسي والدبلوماسي "قائم بقوة لعدد من الأسباب".
ويعدد سمير في حديث خاص لموقع "سكاي نيوز عربية" تلك الأسباب، قائلا: "السبب الأول هو الضمانات التي جرت حول المفاوضات الأمنية والرد الأميركي".
وكان الكرملين قد أعلن أن الرد الأميركي على مقترحاته الأمنية لوضع حد للتوتر المرتبط بأوكرانيا، "لم يأخذ وجهة نظر روسيا في الاعتبار"، لكنه أكد أن موسكو "لن تتسرع في الرد".
ويشير سمير إلى أنه "حتى لو كان الرد الأميركي غير كافٍ للجانب الروسي، فإنه يفتح نافذة جديدة لإعادة التوقيع على اتفاقية منع ونشر بقية الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى في أوروبا، المعروفة بـ(INF)، التي وقعها الاتحاد السوفييتي وأميركا سنة 1987 وانسحبت منها واشنطن عام 2019".
ويشدد خبير العلاقات الدولية على أن "اندلاع الحرب ليس في صالح كل الأطراف، خاصة في هذا التوقيت، في ظل عدة أزمات تواجهها روسيا اقتصاديا".
ويضيف: "اندلاع الحرب سيمنع وصول الغاز الروسي أو غيره إلى ألمانيا، لذلك تقف ألمانيا موقف المعارض وبشدة للحرب الروسية الأوكرانية"، مستشهدا بـ"إعلان ألمانيا عدم منح أي أسلحة دفاعية لأوكرانيا، مما يمثل موقفا أوروبيا رافضا لفكرة الحرب".
ويتابع: "الأمر الآخر هو تراجع شعبية الرئيس الأميركي جو بايدن، بعد مرور عام على وجوده على رأس إدارة البيت الأبيض"، وذلك وفق أحدث استطلاع للرأي أجرته جامعة "هارفارد"، بالتعاون "هاريس بول".
الدول العربية
ووفقا لتقدير خبير العلاقات الدولية؛ فإن الأيام المقبلة ستشهد اتصالات بين وزيري الخارجية الأميركي والروسي، وإحداث حلحلة للمفاوضات، والبحث عن حل سياسي.
ويدعّم وجهة نظره بالقول: "اجتماع النورماندي الذي انعقد في فرنسا في 25 يناير الجاري، وضم أوكرانيا وروسيا وألمانيا وفرنسا، توصل بالفعل لاتفاق يمنع بدء حرب في منطقة دومباس"، مشددا على التأثيرات الخطيرة في حالة بدء الحرب بشكل محدود أو غير محدود، على كل دول الجوار، سواء دول بحر البلطيق أو دول البحر الأسود.
إلا أن سمير يذهب بالقول إلى أن الدول العربية أيضا ستتأثر بتلك الحرب، خاصة في ظل وجود ما يقرب من 10 آلاف طالب يدرسون في أوكرانيا، بالإضافة إلى وجود دول عربية تستورد القمح من روسيا وأوكرانيا.
استغلال الأزمات
المحلل السياسي والمستشار السابق بوزارة الخارجية الأميركية، حازم الغبرا، يرى أن "موقف حلف شمال الأطلسي لم يشهد تضاربا في وجهات النظر، أو عدم وجود موقف ثابت وجامع لجميع الأطراف، كما نراه اليوم فيما يتعلق بالأزمة الروسية الأوكرانية".
ويلقي الغبرا في حديث خاص لموقع "سكاي نيوز عربية" باللوم على روسيا، مشددا على أنها "من على خطأ في هذه الأزمة" على حد تعبيره.
ويضيف: "روسيا تستغل الأزمات الموجودة بالعالم حاليا، بما فيها أزمة كورونا وانشغال الغرب بالصين، لتحقيق مكاسب والعودة إلى الواجهة"، واصفا الأمر بـ"المرفوض من الجانب الأميركي والغربي بشكل عام".
ويرى أن الأزمة الحالية لا تكمن فقط في "إيقاف الاجتياح الروسي لأوكرانيا، ولكن الحد من التطاولات والتجاوزات الروسية في المستقبل"، موضحا أنه "يجب أن يكون ذلك هو الحل النهائي للتجاوزات الروسية التي دامت لأكثر من عقد، من جورجيا إلى جزيرة القرم في أوكرانيا".
ويردف: "لا يحق لروسيا فرض شروط واستعمال التهديد العسكري بهذا الشكل وحشد جيوش مقابل مكسب سياسي، أو حتى مكسب أمني كما تريده".
ويوضح أن الموقف الأميركي "واضح وصريح في هذه الأزمة، وهو دعم أوكرانيا، وأن أي اجتياح روسي لأوكرانيا سيؤدي إلى عقوبات، قد تشمل توقف مشروع نورد ستريم 2 (خط الغاز الذي يوصل بين روسيا وألمانيا)".
وعن الخيارات المتاحة لحل الأزمة في الوقت الحالي؛ أوضح أن "هناك خيارين بشكل متوازن: العمل على الضغط على روسيا سياسيا واقتصاديا لثنيها عن الاجتياح".
والخيار الآخر، بحسب مستشار وزارة الخارجية الأميركية السابق، أنه "في حالة نشوب حرب، جعل أوكرانيا تصمد أمام روسيا"، وهي رغبة عامة لدى معظم دول الناتو، باستثناء ألمانيا التي وصفها بـ"المتقاعسة بعض الشيء".
مفاوضات "جس النبض"
ويتفق خبير الأمن الإقليمي المصري، أكرم حسام، مع سمير بشأن الخيار الدبلوماسي، الذي اعتبره أنه "متاح حاليا على الأقل، على المدى القصير والمتوسط"، مشددا على أن هناك "قنوات دبلوماسية مباشرة وغير مباشرة تدفع بهذا الحل".
ويعوّل حسام في حديث خاص لموقع "سكاي نيوز عربية"، على "الدبلوماسية الألمانية للتعامل مع الأمر، من خلال المجموعة الرباعية (النورماندي)"، مشددا على أن "كل المفاوضات التي تجري الآن تدور حول الشروط الروسية".
ويضيف: "المرحلة المقبلة ستشهد تفعيل آلية الوساطة الألمانية، لأنها تعتبر من أكثر الدول الأوروبية الرافضة للخيار العسكري"، مؤكدا أن تلك الوساطة "تسببت في تراجع كبير للمسار العسكري الروسي الأميركي".
وكانت روسيا قد أعلنت في ديسمبر 2021 عن مقترحات لاحتواء ما تعتبره "تزايدا لنفوذ الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، ودول شرق أوروبا".
وفي مسودة الوثائق الأمنية، طلبت موسكو من الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة، عدم ضم أعضاء جدد أو إقامة قواعد في جمهوريات سوفيتية سابقة.
ويعلق خبير الأمن الإقليمي بالقول، إنه "حتى الآن ما تم خلال الفترة الماضية مجرد مباحثات استكشافية، ولم تدخل المفاوضات في مسارها الطبيعي"، واصفا إياها بـ"مرحلة جس النبض"، واصفا الرد الأميركي على مقترحات روسيا بـ"المتوقع".
صفقة "محتملة"
أما عن تصريحات مساعدة وزير الخارجية الأميركي، ويندي شيرمان، لم ينفِ الخبير أن "الخيار العسكري لا يزال مطروحا، لكن تحديده بمدى زمني مرتبط ارتباطا أساسيا بالنقطة التي سيقف عندها المسار الدبلوماسي".
وأوضح أن "المكاسب والخسارة التي سيتكبدها الجانبان الروسي والأميركي فيما يتعلق بالخيار العسكري، مرتفعة للغاية، خاصة فيما يتعلق بموسكو".
ويستطرد: "السيناريو العسكري سيكون عبارة عن مواجهة مباشرة غربية-روسية من خلال أوكرانيا، مما يعني حربا طويلة المدى، وسينعكس بالسلب على الداخل الروسي على المستويين الاقتصادي والسياسي".
ويشير الخبير إلى أن "الجانب الأميركي مستعد لصفقة"، موضحا أن بنودها ستدور حول "سحب بعض القطع العسكرية الموجودة والتي تعترض عليها روسيا، خاصة في ظل تجاوز الناتو في الفترة الأخيرة الخطوط الحمراء، وتخفيض مستوى الأسلحة، واتفاق وضمانات متبادلة".
روسيا وألمانيا
أما الباحث في الشؤون الدولية والاستراتيجية، محمد العربي، فيعتبر أن "التمدد الغربي من خلال الناتو على حدود روسيا الشرقية، خطر على أمنها القومي".
إلا أنه شدد لموقع "سكاي نيوز عربية"، على أن "فكرة الاستيلاء على أراضٍ غير مطروح بالنسبة لموسكو"، مضيفا: "إنه تأكيد على أن روسيا ستتخذ ما يتطلبه الأمر لمنع الناتو من التمدد"، واصفا الأزمة بأنها "محاولة روسية للوصول لتوازن القوى".
على الجانب الآخر، يرى العربي أن "القادة الواقعيون داخل الإدارة الأميركية يرون أن الدعم الأميركي لأوكرانيا خطأ استراتيجي". ويتابع: "الأميركيون يتصرفون من منطلق القلق على قيادتهم للنظام الدولي، خاصة بعد الضربة القوية التي وجهها لهم الرئيس الروسي في جزيرة القرم ".
ويشير إلى أن روسيا "تتحدث في هذه الأزمة بالمنطق المعاكس، الذي يعني نفي رغبتها في الاصطدام العسكري، إلا أنها تضغط للحصول على تعهدات مكتوبة بالحفاظ على أمنها".
ويرجع الباحث خطوات روسيا تجاه أوكرانيا إلى أمرين، "الأول هو انسحاب أميركا من أفغانستان والفوضى التي تسببت بها جراء انسحابها، والثاني هو انتهاء فترة المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل".
وبحسب وصف العربي، فإن ألمانيا كانت تعتبر "صمام الأمان داخل الاتحاد الأوروبي تجاه روسيا"، مشددا على أن "الموقف الألماني لا يدعم الأميركيين بشكل قوي، لذلك إذا وُجد حل دبلوماسي سيكون من داخل الاتحاد الأوروبي".