تنظم القوات البحرية الفرنسية مناورات بحرية ضخمة قبالة جزيرة "كورسيكا" يشارك فيها ستة آلاف عسكري من ست دول حليفة، ضمن تمرين "بولاريس21" الذي يستمر حتى 3 ديسمبر.
وحلت سفن حربية مكان اليخوت الفاخرة قبالة سواحل جزيرة كورسيكا جنوب فرنسا، في معركة بحرية واسعة غرب البحر الأبيض المتوسط.
وتشارك في هذه المناورات وحدات عسكرية كبيرة من ست دول حليفة هي فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وإسبانيا وإيطاليا واليونان.
عودة الحروب التقليدية
ويهدف التدريب ضمان جاهزية القوات على زمن عودة الحروب التقليدية بين الجيوش المتكافئة على عدة مستويات عسكرية ودبلوماسية وفضائية وتجارية ومعلوماتية، بعد عقود من الانخراط في نزاعات ضد وحدات إرهابية متقلبة ومرنة.
ووفق الأدميرال إيمانويل سالار، من حاملة المروحيات البرمائية "تونير" التابعة للبحرية الفرنسية التي يقود منها العمليات، فإن التدريب يستهدف أيضا تحقيق "التكامل مع البيئة الدولية الحالية التي تطبعها توترات دولية، خصوصا على طول السواحل السورية شرق المتوسط، أو شمال شرق أوروبا على جانب بيلاروسيا".
وأوضح الأدميرال سالار أن الهدف هو "إعداد القوات البحرية والجوية والبرية للاشتباكات الكثيفة".
وذكر المسؤول العسكري الفرنسي أن التحدي في هذا التدريب يتمثل في "تأمين تزامن تدخلات تحت سطح البحر وعلى السطح وفي الجو، مع دمج تفاعلات مع الوسط الفضائي الذي يتدخل في مجال الاستخبارات"، وكذلك تدخلات في الإنترنت مثل معلومات أو مزاعم كاذبة يمكن أن تدعم أو تعرقل العمل العسكري.
وأشار إلى أنه بهذه المناسبة تم إنشاء "نظام تويتر وهمي"، لافتا إلى أن القوات المشاركة في "بولاريس21" يجب أن تأخذ في الاعتبار "التفويضات التي يمنحها لها مجلس الأمن الدولي".
مناورات ضخمة
وتم تقسيم 25 سفينة و65 طائرة على معسكرين يتواجهان في غرب المتوسط من السواحل الفرنسية إلى جنوب سردينيا (إيطاليا) وسواحل جزر الباليار (إسبانيا) غربا، فيما تمركزت سفينتان أيضا في المحيط الأطلسي.
وتشارك أفضل السفن الحربية الفرنسية في التدريب، تتقدمها حاملة الطائرات شارل ديغول، إضافة إلى 20 طائرة مقاتلة من طراز "رافال" وطائرتي استطلاع جوي من طراز "إي-2سي هوكيي" وغواصة هجومية نووية و"تونير".
تضاف إلى هذه القوة 13 فرقاطة خمس منها أجنبية، وست سفن دورية وثلاث سفن إمداد لخلف ظروف معركة "بشكل واقعي" وإن لم يكن الموت حاضرا فيها.
"القوة الزرقاء" تواجه "عطارد"
وتمثل القوة التي اختير لها اللون الأحمر جيش بلد يسمى "عطارد" بقيادة أميركا، في مواجهته قوة "زرقاء" ملتفة حول شارل ديغول وتشكل تحالفا بقيادة فرنسا.
وفي منتصف الليل، غادرت القوات "الحمراء" تونير شمال باستيا على متن سفن برمائية لتصل سرا على طول السواحل إلى مدينة بورتو فيكيو بجنوب كورسيكا حيث شنت هجومها عند الساعة السادسة.
وهدف الهجوم هو تثبيت "بطارية دفاع أرض-جو" من أجل تعقيد "مناورة حاملة الطائرات شارل ديغول في مضيق بونيفاسيو"، حسب غيوم تاندونيه قائد "تونير".
وأوضح تاندونيه: "لدينا قوارب من القوة الزرقاء تدور حولنا وتحاول اختبارنا أو حتى إغراقنا، لذلك هناك حتما بعض التوتر"، مع أنه يختلف بشكل واضح عما هو عليه عادة خلال نزاع حقيقي.
تضامن الحلفاء
ويسمح "بولاريس 21" بصقل القدرات العملياتية للجيوش، لكنه يهدف أيضا إلى "إثبات أن فرنسا وحلفاءها مرتبطون بشكل خاص بالحفاظ على حرية الملاحة في البحر الأبيض المتوسط"، حسب سالار.
وأكد أنها طريقة لإظهار "القدرة الرادعة للبحرية الفرنسية" للعامة والأعداء المحتملين.
جزء من الحرب الباردة
الخبير العسكري، اللواء سمير راغب، قال إن ضخامة حجم المناورات وعدد الأفراد وثقل الدول المشاركة وتنوعها بحريا وجويا تؤكد أهميتها عسكريا وسياسيا كرسالة ردع معنوي قوية.
وأضاف راغب، في تصريحات لـ"سكاي نيوز عربية"، أن المناورات تأتي في ظل حشد عسكري روسي على الحدود الأوكرانية وكذلك مناورات تنفذها مع الجزائر في البحر المتوسط "هي جزء من الحرب الباردة بين الجانبين".
واعتبر أن من أهميتها التدريب على التكتيكات الخاصة بالفضاء الإلكتروني خاصة أن آخر حرب تقليدية لدول الناتو كانت في العراق في 2003، وكانت قبل التطور الهائل الحالي في التكنولوجيا، فهي "ضمن الحرب النفسية" التي تستهدف التأثير على المجهود الحربي.
وأكد على أن هناك ملفين بارزين قد يؤديان إلى نزاع ومواجهة محتملة وهما تايوان في ظل الاستعدادت العسكرية الصينية والتحذيرات الأميركية، وكذلك أوكرانيا والحشد الروسي، وهو ما يستعدي جاهزية للناتو لردع أي تصعيد محتمل.
رسالة لروسيا ورأب صدع الناتو
أنس القصاص، الباحث المصري في الشؤون الاستراتيجية وقضايا الأمن الدولي، قال إن مناورات بهذا الحجم رسالة صريحة لروسيا بعد التواجد المستمر للأسطول في البحر المتوسط.
وأضاف القصاص، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن روسيا تعمل مؤخرا على تعظيم وجودها على سواحل البحر المتوسط وهو ما يزعج أميركا ودول الناتو وتأتي المناورة في محاولة لتحجيم موسكو.
واعتبر أن المناورة أيضا محاولة لرأب الصدع بين دول الناتو بعد فترة من الاضطرابات في عهد الإدارة الأميركية السابقة برئاسة دونالد ترامب.
وأكد أنها تأتي في توقيت مهم حيث هناك انتخابات ليبية بعد أيام (24 ديسمبر) والدول المشاركة كلها تسعى لإتمام الاستحقاق كمسار يسهم في استقرار البلاد بعد عقد من الاضطرابات كـ"رسالة للمعرقلين".
كما يمثل المتوسط مصدر قلق أساسي للدول الأوروبية باعتباره ممرا للهجرة غير الشرعية من جنوب الصحراء في أفريقيا عبر البوابة الليبية بشكل خاص.