هبطت مروحية فرنسية بقاعدة "تساليت" في مدينة "غاو" الواقعة شمال شرقي مالي قرب الحدود الجزائرية، لتحمل آخر جندي فرنسي من القاعدة، وقامت بتسليمها إلى قيادة الجيش المالي، وذلك في إطار إعادة رسم معالم التواجد الفرنسي في منطقة الساحل الأفريقي التي أعلن عنها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الصيف الماضي.
تقارير إعلامية أكدت أن ما قامت به القوات الفرنسية بإخلاء القواعد العسكرية شمال شرق البلاد، لا يعد انسحابا من مالي ولكن هو بمثابة إعادة تموقع في وسط وجنوب البلاد قرب منطقة المثلث الحدودي الواقع بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، لاسيما بعد أن نقلت الجماعات الإرهابية مسرح عملياتها إلى هذه المنطقة.
وسبق هذه الخطوة إخلاء القوات الفرنسية القاعدة العسكرية في "كيدال" وتسليمها أيضا إلى الجيش المالي، في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الفرنسي إن بلاده لن تترك أصدقائها في مالي يواجهون الجماعات الإرهابية بمفردهم، مؤكدا أن فرنسا قررت إنهاء عملية "برخان" لمحاربة الجماعات المسلحة في الساحل والانخراط في عملية "تاكوبا" التي تشارك فيها عدة بلدان أوروبية.. كما أكد أن إغلاق قواعد الجيش الفرنسي في "تساليت وكيدال وتمبكتو" في شمال مالي سيستكمل مع مطلع العام 2022.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي من مالي إبراهيم صالح، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن الفترة الأخيرة شهدت ارتفاع وتيرة الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل، بمجرد أن ألمحت فرنسا تقليص دورها في الساحل وإنهاء عملية "برخان" العسكرية.
من جانبه قال الكاتب والمحلل السياسي من مالي عبد الله ميغا، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن إعلان فرنسا انتهاء عملية "برخان" لا يعني نهاية الوجود الفرنسي في منطقة الساحل بصفة عامة أو في مالي بصفة خاصة، ولكن هو إعادة تشكيل لاستراتيجية القوات الفرنسية المتواجدة في المنطقة.
وتأتي هذه الخطوة في الوقت الذي تدهورت فيه العلاقات بين فرنسا وشريكتها التاريخية مالي إثر انقلابين عسكريين شهدتهما باماكو خلال شهور، وكانت باريس تعهدت في يونيو بإعادة تنظيم وجودها العسكري في منطقة الساحل، لا سيما من خلال إخلاء قواعدها الثلاث في أقصى شمال مالي لتركيز قواتها قرب الحدود مع كل من النيجر وبوركينا فاسو.. وتنص خطة فرنسا على خفض عدد قواتها من خمسة آلاف عسكري حالياً إلى نحو 2500 إلى 3000 بحلول عام 2023.
وزادت حدة التوتر بين فرنسا ومالي مع خطاب رئيس وزراء الأخيرة شوغل كوكالا مايغا، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي اتهم فيه فرنسا بالتخلي عن بلاده في منتصف الطريق بقرارها سحب قوة "برخان"، مبرراً بذلك بحث بلاده عن "شركاء آخرين"، من بينهم شركات خاصة روسية.
وأوضح رئيس الوزراء المالي أن الوضع الجديد الذي نشأ بسبب انتهاء "برخان"، وضع مالي أمام أمر واقع ويُعرضها لما يشبه التخلي في منتصف الطريق، ويقود إلى استكشاف السبل والوسائل لكي نضمن على نحو أفضل الأمن مع شركاء آخرين، لملء الفراغ الذي سينشأ حتما عن إغلاق بعض مواقع "برخان" في شمال مالي، منتقدا قلة تشاور باريس وإعلان أحادي صادر من دون تنسيق ثلاثي مع الأمم المتحدة وحكومة باماكو.
من جانبه يقول الخبير في العلاقات الدولية، طارق البرديسي، إن ما تقوم به فرنسا الآن هو إعادة انتشار للقوات وليس انسحابا، مشيرا إلى أن فرنسا أرادت بذلك نقل مسرح عملياتها من شمال مالي إلى وسط وجنوب البلاد.
وأضاف البرديسي، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن القوات الفرنسية ستنتشر أيضا في دول الجوار لمالي مثل بوركينا فاسو والنيجر وتشاد، متوقعا أن تزيد باريس من قواتها خلال هذا التوقيت بعد اتجاه حكومة باماكو إلى الحوار مع بعض الجماعات الإرهابية، مشددا على أن دور فرنسا مهم للغاية في منطقة الساحل والصحراء، حتى في حال تواجد عناصر "فاغنر" الروسية.
وبحسب دراسة نشرها المركز الفرنسي للبحوث وتحليل السياسيات الدولية، فإن فرنسا وجهت ضربات قاسمة لقيادات التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل الغربي لأفريقيا، كان أبرزها مقتل زعيم "داعش" في الصحراء الكبرى، عدنان أبو وليد الصحراوي خلال عملية لقوات "برخان" منتصف أغسطس الماضي.
ونقل المركز الفرنسي عن مسؤولين قولهم إن مقتل الصحراوي، يعد علامة بارزة وإنجاز كبير للقوات الفرنسية التي تكافح الإرهاب في منطقة الساحل، لكن هذا الإنجاز لا يعني أن "داعش" في منطقة الساحل على وشك الانهيار، بل أصبحت مهمة القوات في هذه المنطقة أكثر تعقيدا، لا سيما في أعقاب التطورات التي تعرقل مكافحة الإرهاب.
وكان الجيش الفرنسي سيطر على قاعدة "تساليت" في مطلع عام 2013، بعد معارك عنيفة مع مجموعات إرهابية تنتمي لتنظيم القاعدة، حيث أطلقت باريس عملية عسكرية في غاو وتمبكتو وكيدال في شمال مالي لمكافحة الإرهاب في دول الصحراء والساحل.