في تطور مفاجئ للأوضاع في مالي أعلن المجلس العسكري المعني بإدارة شئون البلاد عن تكليف المجلس الأعلى الإسلامي في مالي بالتفاوض مع عدد من الجماعات الإرهابية وعلى رأسها جماعة مقاتلي "نصرة الإسلام" التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي.
يأتي هذا التطور في الوقت الذي تستعد فيه فرنسا لسحب قواتها من منطقة الساحل الإفريقي المشاركة ضمن عملية "برخان"، وسط أنباء عن عزم الحكومة المالية استبدال القوات الفرنسية بقوات "فاغنر" الروسية.
وقالت مصادر مطلعة لـ"سكاي نيوز عربية"، إن المجلس الأعلى الإسلامي في مالي سيدخل في مناقشات مع كل من إياد أغ غالي رئيس جماعة "نصرة الإسلام والملسمين" التابع لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، إضافة إلى رئيس جماعة "ماسينا" أمادو كوفا، موضحة أن اختيار المجلس الأعلى الإسلامي لهاتين الجماعتين يأتي متوافقا مع الرغبات التي تم التعبير عنها خلال الحوار الوطني الشامل عام 2019، والتي ترغب السلطات الانتقالية الآن في تنفيذها.
وأوضح الكاتب والمحلل السياسي من مالي إبراهيم صالح، أن الجماعات الإرهابية في مالي تنقسم إلى جزئين، الجزء الأول يتعلق بالإرهابين الوافدين من خارج البلاد مثل أنصار أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة في أفغانستان، وهم من جلبوا الفكر المتطرف إلى مالي، والجزء الثاني متعلق بالجماعات التي خرجت من الشعب المالي أمثال "نصرة الإسلام".
وأضاف صالح في - تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" - أن النوع الثاني من الجماعات الإرهابية هو الذي يستهدف المجلس العسكري في مالي إلى استمالته، وذلك بعد أن وصل إلى قناعة أن الحل العسكري والمواجهات المسلحة لن تفضي إلى نتيجة حاسمة مع الجماعات الإرهابية، مشيرا إلى أن حوادث القتل والخطف والسطو وعمليات التفجير صارت شبه يومية ولم تعد خبرا.
وأضاف رئيس تحرير موقع "أخبار الساحل"، أن الحديث عن توقيع السلطات في مالي لاتفاق مع مجموعة "فاغنر" يثبت أن الرهان على وجود القوات الفرنسية يعد رهانا فاشلا، ولنا في كثير من دول غرب أفريقيا المثل والقدوة.
كان رئيس وزراء مالي، شوغل كوكالا مايغا، قد اتهم فرنسا بالتخلي عن بلاده في منتصف الطريق، نظرا لسحبها قواتها ونهاية عملية "برخان" في منطقة الساحل الإفريقي، مبديا أسفه للإعلان الأحادي من جانب باريس، مبررا بحث بلاده عن شركاء آخرين بعد الانسحاب الفرنسي - في إشارة للتعاون مع "فاغنر"-.
وأضاف كوكالا، في خطابه أمام الأمم المتحدة، أن الوضع الجديد الذي نشأ بسبب انتهاء مهمة "برخان"، والذي يضع مالي أمام أمر واقع ويعرضها لنوع من التخلي في منتصف الطريق، يقودنا إلى استكشاف السبل والوسائل لكي نضمن الأمن على نحو أفضل مع شركاء آخرين".
النقاط الخلافية
من جانبه، قال وزير الشؤون الدينية في مالي مامادو كوني، في تصريحات صحفية، إن التفاوض مع بعض الجماعات الإرهابية أصبح مطلبا شعبيا، مضيفا أنه هذا الأمر كان مطروحا حتى قبل الفترة الانتقالية التي دخلتها مالي عام 2019، مشيرا إلى أن الحكومة تأخذ الأمر هذه المرة على محمل الجد لوضع حد للعمليات الإرهابية في البلاد.
وفي سياق متصل، أكد موفى حيدرة مسؤول التفاوض داخل المجلس الأعلى الإسلامي، أن المفاوضات مع الجماعات المسلحة ستشهد مشاركة واسعة النطاق من جانب المفوضية السامية للأمم المتحدة.
وأضاف حيدرة، أن هناك بعض النقاط الخلافية التي سيتم مناقشاتها خلال المرحلة الأولى من المفاوضات أبرزها: "حرية التنقل، وإلزامية ارتداء الحجاب، وتحصيل الزكاة وتحقيق العدالة الانتقالية"، لافتا إلى أنه لم يتم تحديد أطر مناقشة الخطوط الحمراء خلال هذه المرحلة.
خريطة الجماعات الإرهابية
نشر "المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات" دراسة حددت أنماط الجماعات الإرهابية في مالي، حيث أشارت إلى أن المرحلة الأولى لظهور الجماعات الإرهابية في صحراء مالي كانت في نهاية تسعينات القرن الماضي، حيث فرّ عدد من الإرهابيين من الجزائر إلى شمال مالي، وبدأوا في النشاط وبسرعة التحق بهم مقاتلون من موريتانيا ومالي والنيجر.
أما المرحلة الثانية فتبدأ في عام 2007، وهو تاريخ التحاق تنظيم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" بتنظيم القاعدة، والتي تم تغير اسمها لاحقا لتصبح تنظيم القاعدة في بلاد المغرب"، وتحول ولاء الجماعات المسلحة في الصحراء الكبرى التي كانت تابعة لـ"الجماعة السلفية للدعوة والقتالط في الجزائر إلى تنظيم القاعدة، وشهدت الفترة الثانية بين عامي 2007 و2012 سلسلة من العمليات الإرهابية ضد دول المنطقة بشكل عام، مع توسع واضح للهجمات في مالي بشكل خاص.
حركة أنصار الدين.
تعد أكبر تنظيم إرهابي في شمال مالي، وتسعى لانفصاله بحجة قيام دولة إسلامية تطبق الشريعة، ومن الحركات الإرهابية المسلحة التي انضمت إلى ما يعرف بـ”جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” عام 2017، وأسس الحركة إياد آغ غالي في ديسمبر عام 2011 في مدينة "كيدالط الواقعة شمال مالي، ويعد أحد قادة الطوارق الذين خاضوا تمرداً مسلحاً على الحكومة المالية في التسعينيات، قبل أن يوقع اتفاق سلام بين حركته السابقة "الحركة الشعبية لتحرير أزواد" والحكومة المركزية عام 1992.
حركة تحرير ماسينا
وهو تنظيم إرهابي، يعتمد على الإرهاب العرقي في مالي، ومعظم عناصرها من حركة "تحرير ازواد" التي تضم مختلف مكونات أزواد العرقية، والتي انفصلت عن الحركة وانضمت إلى حركة "أنصار الدين" الإرهابية عام 2012، وتضم مئات المقاتلين من الأقلية "الفلانية".
والسؤال الذي يبقى مطروحا خلال المرحلة المقبلة، هل ستنجح المقاربة هذه المرة بين الحكومة المالية والجماعات الإرهابية، لتنتهي بذلك واحدة من أطول حلقات مسلسل الحرب على الإرهاب في بلاد المغرب والساحل الأفريقي، أم أن المفاوضات ستسفر عن وضع آخر.